سؤال و جواب
تسجيل

سؤال: عندما مات المسيح من اجل خطايانا, هل ذهب الى الجحيم مدة الأيام الثلاثة التي كان يرقد فيها جسده في القبر؟

جواب: نبعت هذه الفكرة من قول الكتاب (اجرة الخطية موت) وهذا يعني امرين:

الأول: الموت الجسدي. الثاني: قضاء الأبدية في الجحيم.

فقال البعض, حتى يسدد المسيح ثمن خطايانا, ينبغي ان يقبض الأجرة التي هي موت, أي ينبغي ان يموت فعلياً, وينبغي ان يذهب فعلياً الى الجحيم لكي يتألم هناك نيابة عنّا!

ولكي يدعموا وجهة نظرهم هذه استندوا الى بعض الآيات الكتابية:

* "فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتاً فِي الْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ، الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ" (1بطرس3: 18- 20)

فقالوا, إن هذه الأرواح هي أرواح الأموات غير المجددين المتواجدة في السجن (الجحيم) في انتظار مصيرها الأبدي ( انظر لوقا 16 : 19 – 31 )، فذهب اليهم يسوع وأعلن لهم نصرته على الخطية والموت, وذلك في أثناء الأيام الثلاثة التي كان يرقد جسده فيها في القبر.

وقال آخرون, إن هذه " الأرواح التي في السجن " هم الملائكة الساقطون أو الكائنات الشيطانية التي أغوت الناس لارتكاب الشر، فلم يشفق الله عليهم, " بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء" ( 2 بطرس 2 : 4 ، يهوذا 6 )، فذهب إليهم المسيح ليعلن لهم نصرته الحاسمة.

ولمَّحَ آخرون, ان هذه الكرازة في السجن (الجحيم) كان الغرض منها إعطاء الخطاة فرصة ثانية للخلاص!

كل هذه التفاسير غير مقبولة, لأنها بالدرجة الأولى تتناقض وشخصية المسيح المتواضعة. ثم ما الفائدة من ابلاغ تلك الأرواح أخبار نصرته؟

وأيضاً تتناقض مع المفهوم العام للكتاب المقدس, حيث لا فرصة ثانية للخلاص بعد الموت "وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عبرانيين 9 : 27), ومن البديهي ان الذين هم في الجحيم اذ جاءتهم فرصة ثانية للخلاص سرعان ما سيوافقون على ذلك وبالتالي لن يبقى احد هناك.

 

التفسير البسيط للمقطع نراه في الترجمة التفسيرية (كتاب الحياة) حيث وردت الآية على الشكل التالي " فإن المسيح نفسه مات مرة واحدة لكي يحل مشكلة الخطايا. فمع أنه هو البار، فقد تألم من أجلنا نحن المذنبين، لكي يقربنا إلى الله، فمات بجسمه البشري، ثم عاد حيا بالروح. بهذا الروح نفسه، ذهب قديما وبشر الناس الذين أصبحت أرواحهم الآن في السجن. وذلك بعدما رفضوا البشارة في أيام نوح، عندما كان الله يتأنى صابرا طوال المدة التي كان نوح يبني فيها السفينة، التي نجا بها عدد قليل من الناس عبر الماء، ثمانية أشخاص فقط!"

إذا الذي كان يكرز في نوح هو "روح المسيح" الذي كان يتكلم في الأنبياء (1 بطرس 1 : 11)، وكان نوح يشهد بوجود الله الذي يريد أن يحيا الناس حياة البر، ولكن هؤلاء الناس رفضوا كرازة نوح  وهكذا هلكوا بالطوفان الذي أرسله الله عقاباً لهم على عدم إيمانهم، وهم الان "أرواح" في السجن في انتظار الدينونة النهائية.

* "فَإِنَّهُ لأَجْلِ هَذَا بُشِّرَ الْمَوْتَى أَيْضاً، لِكَيْ يُدَانُوا حَسَبَ النَّاسِ بِالْجَسَدِ، وَلَكِنْ لِيَحْيُوا حَسَبَ اللهِ بِالرُّوحِ" (1بطرس4: 6)

قال البعض إن الإنجيل قد كرز به لأناس بعد موتهم، ولكن كما قلنا هذا يناقض المفهوم العام للكتاب المقدس.

التفسير البسيط للمقطع يشير إلى أناس بُشروا خلال حياتهم على الأرض، وهم اموات بالذنوب والخطايا, فآمنوا بالرب, لكنهم، وبسبب إيمانهم تألّموا على أيدي رجال أشرار، واستشهدوا. هؤلاء المؤمنون هم أحياء بالروح في نظر الله, وهم الآن يتمتعون بالحياة الأبدية معه، مع أن حكم الموت قد نفذ بأجسادهم، فماتوا كغيرهم من الناس.

* "وَأَمَّا أَنَّهُ صَعِدَ، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضاً أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضاً فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلَأَ الْكُلَّ" (افسس4: 9-10)

قالوا, إن اقسام الأرض السفلى هي الجحيم, ولكن من يستطيع ان يثبت ان الجحيم هو مكان في داخل الكرة الأرضية. إضافة لما ذكرناه سابقا عن استحالة ذهاب المسيح للجحيم.

ان التفسير البسيط لهذه الآية مرتبط بالنبوة الواردة في (مزمور68: 18), التي تفترض ضمنا ان المسيح قد نزل مسبقاً الى الأرض. فصعوده إذاً يتطلَّب نزولاً مُسبقًا إلى الأرض وليس إلى الجحيم. وأما اقسام الأرض السفلى فابعد ما تشير اليه هو القبر, وهذا ما حدث فعلاً اذ نزل يسوع الى القبر.  بالإضافة إلى ذلك، يشير الكتاب إلى أنَّ روح المسيح، عند موته، صعدت إلى السماء وليس إلى الجحيم (لوقا23: 43، 46).

* "لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً." (مزمور16: 10)

قالوا ان الهاوية هنا إشارة الى الجحيم, ولكن هذا كما سبق وقلنا لايتوافق مع المفهوم العام للكتاب. أما التفسير البسيط للآية فهو ما قاله الرسول بطرس لليهود عندما اقتبس هذه النبوة واسقطها على المسيح, "27 لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 28 عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ. 29 أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ. 30 فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ 31 سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً." (اعمال2: 27-31)

فالهاوية هي القبر, والمسيح لم يُترك بالقبر كداود, ولا جسده رأى فساداً, إذ قام في اليوم الثالث.

والآن بالعودة إلى السؤال: هل ذهب المسيح إلى الجحيم؟

الجواب: كلا. إذا كيف سدد الثمن المطلوب منا؟

نحن كبشر خطاة ينبغي علينا بسبب الخطية:

1-   ان نموت جسدياً لأن هذا هو قانون الله.

2-   ان نقضي الأبدية في الجحيم لأننا غير قادرين أدبياً على دفع ثمنها.

أما بالنسبة للمسيح بديلنا فالأمر يختلف قليلاً, ولنوضح ذلك بمثال: لنفترض ان احدهم قد تجاوز اثناء قيادته للسيارة الإشارة الحمراء. فأُحضر أمام القاضي, فقال له القاضي, عليك ان تدفع غرامة مالية ومقدارها كذا. فان رفض, يلقى في السجن حتى يوفي الغرامة أو الدين (متى18: 30). أي يبقى في السجن مدة تتناسب والغرامة المترتبة عليه. أما ان دفعها فتُسقط التهمة عنه.

بالنسبة للمسيح:

      1- مات جسدياً, فالذي حمل خطايانا, وصار "خَطِيَّةً لأَجْلِنَا" (2كورنثوس5: 21) استوجب الموت, لأن قانون الله هو الموت الجسدي لمن أخطأ. وباعتبار أنّ طبيعة المسيح اللّاهوتية اتحدت بطبيعته البشرية وأكسبتها قيمة أدبية لا متناهية, اُعتبر موته معادلاً لموت جميع الذين آمنوا به.

      2- أما عن ذهابه للجحيم فهو ليس مضطراً لذلك, لأنه قادر ان يدفع الغرامة – التي لا نستطيع نحن ان ندفعها- بسبب اتحاد لاهوته بناسوته الذي اكسبه قيمة لا متناهية, وهذه الغرامة هي حياته, وإذ دفعها لعدالة الله أُسقطت عنه التهمة, فلم يذهب إلى الجحيم, فتم المكتوب " أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ" (2كورنثوس5: 19).

وأخيراً أختم بقول الرب للص المصلوب معه عندما قال له: "«اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». 43 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ»" (لوقا22: 42-43). إذاً لم يذهب الرب للجحيم, لكنه ذهب للفردوس, وكفانا قول الرب.

 

القس. نبيل سمعان يعقوب