مطبوعات
تسجيل

الموت بين العلم, والكتاب المقدس

يرفض الكثيرون ان يكون الله هو الذي يحدد عمر الانسان, ويعتبرون ذلك يتناقض مع العلم. ولكننا نقول كمؤمنين: ان الله هو الذي حدد عمر الانسان بشكل عام, واعطاه الحرية لكي يُنقص من هذا العمر كما يريد, دون ان تكون له الحرية بزيادته كما يريد. وكأمثلة يمكن ان تنقص من عمر الانسان الإدمان على المخدرات, او الكحول, أو المرض, أو الانتحار, أو نوعية الطعام الخ. وهذه كلها تقع تحت سلطان الانسان, أي في دائرة الحرية الممنوحة له اما ليُقصّر من فترة بقائه على الأرض او ليصل ان امكن الى الحد الأقصى الذي وضعه الله.

.

ما هي أسباب الموت علمياً:

1-الموت العرضي أو الحدثي: أي الناجم عن حدث ما، مثل نقص المواد المغذية، أو التعرض لمواد سامة، أو الالتهام من كائن آخر أو العدوى بجرثوم. الخ. وهو يشاهد في كل الكائنات الحية ولا مجال للحديث عنه أو للوقاية منه.

2- التنكرز: وهو يحدث عندما تصاب الخلية بأذية بالغة, أو عندما يتوقف الدم عنها, فتفقد قدرتها على ضبط التوازن الخاص بسائلها وأيوناتها التي تَضخّها عادة خارج الخليّة. فتُضخ بالعكس إلى داخل الخلية مما يؤدي إلى انفجـارها.

3-الموت الخلوي المبرمج (programmed cell death): أو الموت المترافق مع عمليات الشيخوخة, اي الموت بآليات داخلية, وهو سبب معظم حالات الموت عند الإنسان.

إن تكاثر الخلايا من جهة, وحدوث الموت الخلوي المبرمج, الذي يؤدي الى موت المادة الحية, وتدميرها ذاتياً من جهة اخرى, هما عمليتان أساسيتان وضروريتان لدورة حياة الكائنات الحية, ولصيانة الأنسجة وثباتها في جسم الإنسان وغيره من الحيوانات. وهذا يعني ان صحة الكائنات الحيّة, العديدة الخلايا, بما في ذلك الإنسان, ليست مرتبطة فقط بمقدرة الجسم على إنتاج خلايا جديدة، إنما أيضا بمقدرة الخلية الواحدة على تدمير نفسها (أي على تخرّبها ذاتيا), عندما تصبح زائدة أو معتلة, بواسطة الية تعرف بالموت الخلوي المبرمج, او الانتحار الخلوي.

تتشكل عادة الكائنات المتعددة الخلايا من تجمع هائل للخلايا, فجسم الانسان مثلا يتألف من حوالي مليون مليار خلية. وتجمّع هذه الخلايا من الممكن ان يخلق مشكلة تتمثل في ضبط تكاثر هذه الخلايا, لأنه في حالة عدم ضبط هذا التكاثر فانه سيؤدي في النهاية لدمار هذا التجمع الخلوي بشكل كامل.

لذلك وبحسب العلماء وُجِدت في الخلايا اليات لضبط هذا التكاثر الخلوي. حيثتصنِّع معظم الخلايا، إن لم يكن كلها، مجموعات من البروتينات التي يمكن أن تعمل كأسلحة للتخريب الذاتي. وما دامت الخلية مفيدة للجسم، فإنها تقيد وسائل موتها. ولكن إذا ما أضحت الخلية مصابة بعدوى (مخموجة) أو خبيثة، أي صارت تهدد سلامة الكائن الحي، فإن البروتينات المميتة تُحرَّر لتبدأ عملها. ويتم هذا من خلال تبادل الإشارات بين الخلايا, والتي من خلالها يؤكد بعض الخلايا أهميته للبعض الاخر, أو العكس, حيث تستلم الخلية إشارات حول ضرورة انقسامها وتموتها, فيُنشّط حينذاك برنامج, الموت الخلوي المبرمج.

وطبعا لا تدخل الخلية مباشرة في الموت الخلوي المبرمج, بل تقوم أولا بتقدير نسبة الضرر فيها بواسطة حساسات التلف Damage sensors لمعرفة موقع الضرر ونوعه واتساع دائرته, وان كان بالإمكان إصلاحه او لا, وبناء عليه يتم تنشيط برنامج الموت الخلوي او تثبيطه.

أما أدوات الانتحار في الكائنات الحية العديدة الخلايا فتتألف من إنزيمات متنوعة لشطر البروتينات تعرف بالپروتيازات (proteases) ويمكن النظر إليها كمجموعة من السكاكين الحادة التي تحفظ ضمن أغمادها. ولكن عندما تُفَعَّل هذه الإنزيمات بناء على إشارات معينة فإنها تشطر البروتينات الخلوية, وتخرّب المادة الوراثية للخلية, وبذلك تدمر الخلية وتمنعها من صيانة نفسها.

إن الخلية التي تموت عن طريق الاستموات (أي الانتحار الخلوي)، تمر بتغيرات مميزة, فهي تنكمش في بداية الأمر، ومن ثم تنسحب مبتعدة عن جاراتها, وتُلتهم أجزاؤها بسرعة من قبل خلايا أخرى في الجوار.بينما قسم اخر من هذه الخلايا التي تعاني, الموت الخلوي المبرمج, لا يتم التهامها، بل تعاني تحولات معينة.

وكخلاصة نقول: ان الموت هو امر مبرمج داخل الكائن الحي, وهو لمصلحة الكائن باعتباره تجمع هائل للخلايا. وفي كل خلية هناك أدوات تُستخدم لتدمير الخلية بعد ان تقوم الخلية بناء على إشارات خارجية, او داخلية, بتقدير نفسها, ان كانت نافعة للكائن او لا.

ان ما يقوله العلم عن الية الموت هذه لا يمكن ان يُفهم بعيدا عن الله. لان الخلية لا يمكن ان تضع لنفسها برنامجاً. وطالما يوجد برنامج, فلابد من وجود مبرمج.

يتحدث الكتاب المقدس عن آدم كشخص مخلوق ومُعَدْ للحياة والخلود, وليس للموت. وهذا يعني انه لا يملك في خلاياه أي برنامج للتموت او الانتحار الذاتي. ولكن اذ سقط بالخطية تغيرت بنيته الجسدية, وصار يعاني الوجع والالم والموت, وهكذا كل نسله. وهذا ما نستشفه من تحذير الرب لادم (انَّكَ يَوْمَ تَاكُلُ مِنْهَا مَوْتا تَمُوتُ) تكوين2: 17. فالموت لن يسود ادم الا ان اخطأ. وإذ اخطأ تمّ وضع برنامج الانتحار الخلوي في خلاياه ليصبح انسانا مُعدّاً للموت (لانَّكَ تُرَابٌ وَالَى تُرَابٍ تَعُودُ) تكوين3: 19. بعد ان كان انسانا مُعدّاً للخلود.

قبل الطوفان عاش الانسان فترات عمرية طويلة وكانت الأعمار تقارب الألف سنة. وكان أطول الناس عمراً هو متوشالح الذي عاش (969) سنة (تكوين5: 26). ثم وبسبب استمرار الانسان في الخطية قال الرب: (هُوَ بَشَرٌ وَتَكُونُ ايَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً) (تكوين6: 3). وهكذا بدأت الأعمار تتناقص بعد الطوفان, لتصل مع إبراهيم  الى مِئَة وَخَمس وسبعين سَنَةً (تكوين25: 7). ومع يعقوب الىمِئَة وَسَبْع وَارْبَعِينَ سَنَةً (تكوين47: 28). ومع يوسف الى مِئَة وَعَشر سِنين (تكوين50: 22). ليصير بعدها الحد الأقصى لأعمار الناس مئة وعشرين سنة.

وهذا يعني ان برنامج الموت الخلوي داخل الخلية لم يُقرر من نفسه متى يبدأ عملية التدمير الذاتي للخلية, بل ان الله هو الذي برمج وحتّم الامر لموت الخليّة.

ومن المفترض بحسب هذا البرنامج ان يعيش الانسان الان مئة وعشرين سنة. لكن الذي يحدث ان متوسط عمره قد تناقص الى ما دون الثمانين. وهذا التناقص ليس مرده الى الله بل الى استمراره بالخطية التي ستقوده في النهاية ليس لتدمير حياته فقط, بل الى تدمير كل الحياة على كوكب الارض.  

بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب