سيكارة تتحدث

انا لفافة من التبع صغيرة الحجم, انيقة المظهر, عُرفت من قديم الزمان, ولي اصدقاء كثيرون في كل مكان. ألبس رداءً جميلا من الورق الابيض, واسكن داخل علبة انيقة مزينة برسومات جميلة, وانت تجدني في كل مكان تقريباً, فانا احتل مركزا ممتازاً في جيوب اصدقائي, وأستقر في مكاتبهم نهارا, وتحت وسائدهم ليلاً. واشغل مكانا كبيرا في واجهات المحلات, وأرفّ الدكاكين, ويافطات الاعلانات الضخمة ذات الألوان المضيئة, وتجد صورتي في الجرائد والمجلات, ورائحتي تملأ أجواء الصالونات والقطارات والسيارات.

.

 ان اصدقائي يُخلصون لي اشدّ الاخلاص, فيقدمونني إلى أصدقائهم ومعارفهم ويبالغون في اكرامي. فيصنعون لي عُلباً من ذهب, ويُشعلونني بولاعات من فضة. وقد توطدت صداقتي مع الكثيرين منذ زمن بعيد, فإن نسبة كبيرة من اصدقائي تعرفوا بي وهم بعد احداث في سن المراهقة, فوجدوا فيّ شبعا لغرورهم وعلاجا لمركب النقص فيهم, إذ أُظهرهم بمظهر الرجولة واوحي لهم بالاعتداد بالذات. فيتباهون بي امام الاخرين ولاسيما من الجنس الاخر. ان اصدقائي من كل جنس ومن كل طائفة. فيهم الغني والفقير, العالم والجاهل, الشيخ والشاب, الرجل والمرأة. وقد توطدت صداقتي معهم على مر السنين والأيام, فأصبحت جزءاً لا يتجزأ منهم. ومهما طرأ عليهم من ظروف فانهم لا يتركونني, لقد مرض بعضهم ونصحه الطبيب بالابتعاد عني ولكنهم فضلوا البقاء في المرض عن التخلي عني. وبعضهم افلس واحتاج للقوت الضروري يمسك به رمقه ورمق أولاده, ولكنه ازداد تشبثاً وتعلقاً بي.

لقد صدق احد المعجبين بي حينما قال: لقد عزمت ان اذهب الى الجحيم لأتمكن من اشعال سيجارتي هناك. ان اصدقائي على استعداد كامل للتضحية في سبيلي مهما كلفهم الأمر, ولقد ضحى بعضهم بماله وصحته ومستقبله وحياته الابدية لكي يرضيني, انهم ينفقون عليّ عشرات الآلاف من الدولارات, فالذي يدخن 30 سيجارة في اليوم عندما يصل إلى سن السبعين يكون قد انفق ثروة لا تقلّ عن عشرة الاف دولار, وينفق نحو 400 دولار على أعواد الثقاب.

أمّا عن قوتي وتأثيري فحدّث ولا حرج, فأنا أحوي 19 مادة كيماوية لكل منها تأثير خاص, وأهم هذه المواد النيكوتين, وحامض البروسيك, والبيرودين, والاكرولين, والفرفورال. والكمية التي احتويها من هذه المادة الاخيرة تزيد على ما يوجد في او قيتين من الويسكي.

وعن طريق هذه المواد المختلفة, وبما لي من سلطات في تكوين عادة, أضمن سيطرتي الكاملة على كل قوى الانسان حتى لا يستطيع مني فكاكاً.

وأنا أسير عادة في طريق معيّن, فأبدأ من اصابع اليد حيث أضع وصمتي عليها, ثم انتقل إلى الفم حيث أترك أثاري على الأسنان, ثم اتجه إلى الحنجرة فألهبها, ومن هناك انزل في القصبة الهوائية حتى أصل إلى الرئتين, فأحدث احتقانا والتهابا في اغشيتهما المخاطية التي تشكو وتئن بصوت مرتفع يسمونه السعال الذي لا يتأثر بأي دواء من أدوية السعال المعروفة. وأحياناً اتسبب عن غير قصد مني في اصابة بعض اصدقائي بسرطان الرئة. ومن الرئتين اشق طريقي الى الدورة الدموية حيث اترك رواسبي على جدرانها فأصيبها بتقلص الشرايين وتجلط الدم احيانا, ثم أصل إلى القلب فأزيد من عدد ضرباته وخفقاته. وفي امكاني أن أؤثر على المعدة فأفقدها الشهية وأصيبها بالتهابات قد تصل إلى حد التقرح. وفي مقدرتي أيضا أن أؤثر على الجهاز العصبي فأجعله قلقا مضطربا. وعلى العينين فيصعب عليهما رؤية الأشياء بوضوح. وقد حاول بعضهم ان يضعف تأثيري عليهم, فوضعوا داخلي قطعة من الفلتر, ولكنها لم تستطع ان تحجز سوى 20 بالمئة مما احتويه. ولكن تأثيري الأكبر هو على نفسية أصدقائي, إذ أوحي لهم باستحالة البعد عني, واخيفهم وأزعجهم من محاولة تركي. وبذلك تضعف مقاومتهم تدريجياً ويفقدون ثقتهم بأنفسهم, فيستسلمون, ويصبحون لي عبيداً أذلاء.

وإن كنت آسفة على شيء, فهو لأن بعضاً من أعزّ أصدقائي قد استطاعوا الافلات من قبضة يدي. لقد شعروا بالخسارة من السير معي وتأكدوا من الخطر المحدق بهم وبحياتهم الأبدية, فصرخوا إلى الله طالبين النجاة مني, ووثقوا في دم يسوع المسيح ابن الله الذي يُطهّر من كل خطية, وأخضعوا ارادتهم لسلطان الروح القدس فتغيرت حياتهم كلها. فأعلنوا عندئذ غضبهم عليّ ومزقوني إرباً إرباً, وطرحوني ارضاً وداسوا عليّ بأقدامهم. ومنذ رجوعهم إلى الرب انقطعت صلتي بهم وتحولت صداقتهم لي إلى حرب شعواء أعلنوها عليّ, لكي يفقدوني بقية اصدقائي الذين قد تكون انت منهم.

فيا صديقي المدخّن أرجوك, لا تتركني ملتجأً إلى المسيح, بل تمسّك بي, لأفعل بك, ما فعلت بغيرك!!