كيف اكون مقبولا امام الله؟

ليس الكل مهتماً بهذا السؤال, ولكن مع ذلك هو للجميع!

لقد حاولت الديانات البشرية المتعددة ان تقدم اجابة لهذا السؤال ومن هذه الاجابات:

الجواب الأول, الاعمال الصالحة: يقولون ان كل انسان تُسجّل اعماله في سجلٍّ خاص به, وفي يوم الدين سيزن الله اعمال الناس بحسب سجلاتهم, فإن كانت اعمالهم الصالحة اثقل من اعمالهم السيئة يفوزون بالحياة الأبدية السعيدة, وان كانت اعمالهم السيئة اثقل يمضون الى العذاب الأبدي.

ولكن هل هذا صحيح, بالطبع لا. وذلك للأسباب التالية:

.

 أ-لأن هذا يقتضي ان نضع علامات لكل الأعمال, فنقول مثلاً عن الاعمال الصالحة, ان الصدقة لها (10) علامات, وان زيارة المريض لها ست علامات. إلخ.. وكذلك عن الاعمال السيئة, ان الكذب له (-10) علامات, والسرقة (-9) علامات, والزنى (-15) علامة. وهكذا نصنف جميع الأعمال صغيرها, وكبيرها, ما نفعله, وما نقوله, وما يدور في اذهاننا. ومن يستطيع ان يصنف لنا اعمال الانسان. ومن يستطيع ان يقول ان هذه الخطية اعظم من تلك او ان هذا العمل الصالح افضل من ذاك.

ب- حتى وان كان لدينا مثل هذا الجدول بالعلامات, فإننا في آخر النهار عندما سنضع العلامات سنجد انفسنا في الميزان إلى فوق, وليس لنا أي رجاء.

ج- لنفترض اننا ابتدأنا العد من اليوم وصاعداً, فماذا عن الأمس ونازلاً. والأهم, من يضمن لنا اننا لم ننسى, او نتناسى بعض الخطايا التي اقترفناها, وبالتالي تكون حسبتنا صحيحة.

د- ماذا لو كان اليوم آخر ايامنا وحسبة الأعمال لم تكن في صالحنا؟؟

ه- هذا المبدأ لا يقبله الناس في قضائهم, فكيف يقبله الله في قضائه وهو صاحب العدالة المطلقة. تخيّل ان مجرما يقف امام القضاء, ويسأله القاضي: ماذا تطلب من المحكمة قبل ان تُصدر حكمها عليك وانت المُدان بالجريمة. فيقول المتهم: سيدي القاضي, اطلب البراءة. فيسأله القاضي: على اي اساس, وانت متهم. فيجيب: قبل ثلاثة ايام اطعمت فقيراً, وزرت مريضاً, وقبل اسبوع ساهمت في مشروع خيري. ان اعمالي الصالحة هذه تعطيني الحق بان اكون بريئاً امام عدالتكم. سيجيب القاضي بلا شك: انا لم اسألك عن اعمالك الصالحة لأنها واجب عليك, ولكن انا اسالك عن الجريمة التي اقترفتها وينبغي ان تقاصّ عليها. وهذا بالضبط ما يسألنا الله عنه.

الجواب الثاني, الندامة: يقولون يكفي ان يندم الانسان عن كل خطية اقترفها, والله غفور رحيم.

ولكن هل هذا صحيح, بالطبع لا. وذلك للأسباب التالية:

أ-الندامة امر جيد ومشاعر مطلوبة من الخاطئ التائب, ولكنها لا تكفي!! وكمثال, لنفترض اني صدمت سيارتك بسيارتي واتلفتها. ثم جئت اليك نادماً, ومقراً بتصرفي الخاطئ, فهل تسامحني وتتركني انصرف دون ان اعوض لك عمّا سببته لك من تلف وخسارة. طبعاً لا. بل ستقول لي: قبلتُ أسفكَ, وأقدر مشاعركَ, ولكن عليك ان تُصلح سيارتي.

هذا بالضبط ما يحصل بين الخاطئ التائب وبين الله, فالله سيقول للخاطئ: قبلتُ ندامتك, والان انتظر منك ان تدفع ثمن خطيتك!

ب-نعم الله غفور رحيم, ولكنه ديان عادل ايضاً, والتركيز على رحمة الله دون عدله يساعد الخاطئ ليتمادى في خطيته.

الجواب الثالث, تجاهل الأمر: يقولون لنتجاهل الأمر ونتركه لله, وفي يوم الله يعين الله!!

ولكن هل هذا صحيح, بالطبع لا. وذلك للأسباب التالية:

أ-تجاهل الأمر ليس دليل حكمة, والهروب من المشكلة لا يحلّها بل يُفاقمها.

ب-في يوم الله, الله لا يعين, بل يدين. لأن هذا اليوم هو يوم قضاء ودينونة, وليس يوم رحمة.

الجواب الرابع, تنتهي الحياة بموت الانسان, فلا دينونة ولا حساب!!

ولكن هل هذا صحيح, بالطبع لا. وذلك للأسباب التالية:

أ-وان كان الناس لا يحبون ان يدانوا امام الله, ولكنهم يطلبون بإلحاح من الله ان يدين غيرهم ممن اساء اليهم. ففي اعماقنا امور تخالف هذا الفكر.

ب-نحن كبشر اسسنا المحاكم وفتحنا السجون لاستقبال المجرمين, وصفّقنا لكل من يقيم عدلاً في الأرض. ومع ذلك لم نستطع ان نحقق العدالة, فما زال الكثير من المجربين هاربين من وجه العدالة. ومن المنطقي ان لا تنتهي الحياة هكذا دون قصاص. لابد من قاض في النهاية يقاص الجميع, كل واحد بحسب ما اقترفت يداه.

 

  • فإن كانت كل هذه الطرق غير قادرة على الاجابة عن السؤال: كيف اكون مقبولا امام الله؟ فمن يعطي الجواب! انه بلا شك الكتاب المقدس!! فماذا يقول الكتاب المقدس؟

(لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.) افسس2: 8-9.

(مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ) رومية3: 24.

واليك باختصار رأي الكتاب المقدّس:

أ-تعريف الخطية: ان الخطية هي اربعة انواع.

-الخطية بالفكر (فِكْرُ الْحَمَاقَةِ خَطِيَّةٌ..) امثال24: 9+ (فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ فَقَالَ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟) متى9: 4.

-الخطية بالكلام (لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ».) متى12: 37.

-الخطية بالعمل (زنى, قتل, سرقة. الخ..)

-الخطية بالامتناع عن عمل الخير (فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَناً وَلاَ يَعْمَلُ، فَذَلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ.) يعقوب4: 17.

وبناء عليه صدر حكم الله على الجنس البشري (إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ) رومية3: 23.

ب-عقوبة الخطية: تقاس دينونة الخطية عادة بحسب الشخص المساء اليه, او بحسب مقامه الادبي, فمثلاً, لو كنتَ عاملاً في مصنع واسأت لعامل آخر معك في نفس المكان, يكفي الاعتذار لإنهاء المشكلة. ولكن لو كانت نفس هذه الاساءة بحق مديرك في العمل, فالاعتذار لن يكفي, لأن مقامك الادبي ادنى من مقامه, وربما تكلفك هذه الخطية الفصل من العمل.

والان لو افترضنا ان هذه الخطية نفسها هي بحق الوزير, من الطبيعي ان تكلفك الذهاب للسجن, امّا لو كانت بحق رئيس الوزراء فبلا شك سيكون الحكم اكبر, وهكذا...

فكُلّما ارتفع المقام الادبي للشخص المساء اليه كلما كانت الدينونة اكبر. ولأن الخطية قبل ان تكون بحق الناس هي اولاً بحق الله, لأن الله هو الذي شرّع القانون, ما ينبغي ان تفعل, وما لا ينبغي ان تفعل. لذلك اجرة الخطية وليس الخطايا هي موت (لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ) رومية6: 23. وهذا ينسجم مع مقامه الادبي اللامتناهي بالنسبة لنا.

ج-الخلاص من الخطية, ومن دينونتها. بما اننا جميعا خطاه, وبما اننا عاجزون عن حل مشكلتنا مع الخطية, فكان لابد من تدخل الله ليجد الحل. فماذا فعل الله؟

ربما هذه القصة توضح لنا الأمر: تجاوزت احدى الفتيات الاشارة الحمراء اثناء قيادتها للسيارة, فتم تحرير ضبط بمخالفتها وتحويلها إلى قاضي المرور. لم تكترث الفتاة للأمر لأن والدها هو القاضي. وأثناء المحاكمة فوجئت الفتاة ان والدها قد اصدر الحكم, بان تدفع كامل الغرامة المالية المترتبة عليها. فأجهشت بالبكاء, وصرخت في وجه القاضي: ولكنك والدي. واذ انتهت المحاكمة, خلع والدها ثوب القضاء, ونزل من منصته العالية, وجاء اليها وهو يُخرج من جيبه كامل المبلغ ويقول: انا ادفع يا ابنتي. ودفع ما يترتب عليها. فاظهر محبته لها دون ان يكسر عدالته.

هذا بالضبط ما فعله الله معنا. لقد تجاوزنا كل قوانينه ووضعنا انفسنا في ورطه, وقال بعضنا, سيغفر الله لنا دون ان يحاسبنا. ولكن هيهات, فعدالته تترصدنا جميعنا.

انه يحبنا بطريقة لا نستطيع ان نحصرها. والذي يحب, لا يكتفي بالكلام!!

اجرة الخطية موت. ومن اجل غفران خطايانا نزل من سمائه, ولبس ثيابنا البشرية, وعلى الصليب دفع كامل الثمن المترتب علينا.

قبض الاجرة نيابة عنا, ومات على الصليب, لكي لا نموت بخطايانا, وقال: لنا انا ادفع. ولم يكتف بالكلام لكنه على الصليب دفع ما يترتب علينا من اجرة. لنكون امام عدالته بلا اجرة. فاظهر بذلك محبته لنا, دون ان يكسر عدالته, لذلك يقول الكتاب المقدس:

(لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.) رومية6: 23.

(«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.) يوحنا3: 14-17.

والآن لنعد إلى السؤال: كيف اكون مقبولا امام الله؟

ليس امامك إلا خيار واحد, ان تؤمن بما قد عَمل الله لأجلك. فتأتي اليه بندامة وتقول: اعترف امامك بعجزي وأومن بيسوع المسيح مخلصا لحياتي. وثق (لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى».) رومية10: 11.

بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب