دراسات عامة
تسجيل

مقاربات لاهوتية لحقوق الانسان

اتسم هذا القرن والذي قبله بالعنف وانتهاكات حقوق الانسان. تخبرنا كتب التاريخ انه من سنة (1480 إلى 1941م ) حصلت كل هذه الحروب. إنكلترا خاضت (78) حرباً. فرنسا خاضت (71) حرباً. اسبانيا خاضت (64) حرباً. روسيا خاضت (61) حرباً. النمسا خاضت (52) حرباً. المانيا خاضت (23) حرباً. الصين خاضت (11) حربا. اليابان خاضت (9) حروب. أمريكا خاضت (13) حرباً.

أمّا عن نتائج هذه الحروب, فلا احد سوى الله يعرف كم من الناس قُتل فيها. وكم من الأطفال صاروا ايتاماً. وكم من النسوة صرن ارامل. وكم من الجماعات اقتلعت من جذورها اقتلاعاً, ورُحّلت دون شفقةٍ بعيداً عن اماكنها.

أمّا عن التشوهات النفسية والجسدية التي حلت بالملايين من الناس فحطّمتهم والقتهم على قارعة الطريق, فهذا كتاب آخر يوضع بين يدي الله بعد ان تناساه الناس.

وإلى هذه الحروب يضاف اثنين من افظع النزاعات الدموية في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي التي حصلت في كوريا وفيتنام، وأدّت في كلٍّ منهما إلى ما بين مليونَين وثلاثة ملايين ضحية، معظمهم من المدنيين. إضافة الى الحروب على افغانستان والعراق وليبيا وسوريا والقائمة لا تنتهي, وحصيلتها مئات الاف القتلى.

ناهيك عن عمليات القمع والتميز العنصري والديني التي تجري في أماكن مختلفة من العالم إضافة الى الاعتقالات التعسفية ومراقبة حياة الناس الخاصة التي تتم بحجة الامن القومي. اضافة الى مأساة اللاجئين والحط من كرامتهم, واستخدام أساليب متنوعة في التعذيب ودون محاكمات.

كل هذا غيض من فيض في انتهاكات حقوق الانسان.

الاهتمام بحقوق الانسان

من اجل الاهتمام بحقوق الانسان تأسست هيئة الأمم المتحدة عام 1945 وتنص مقدمة دستورها على مايلي (نحن شعوب الأمم المتحدة مصممون على ان نؤكد من جديد ايماننا بحقوق الانسان الأساسية وبكرامة الانسان وقيمته وبالحقوق المتساوية لجميع الناس رجالا ونساء ولجميع الشعوب صغيرها وكبيرها)

وفي العام التالي أَنشأت الأمم المتحدة (لجنة حقوق الانسان) التي وضعت لائحة لحقوق الانسان يعلن البند الأول فيها, (ان جميع الناس يولدون أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق) ويعالج القسم الأول من هذا الإعلان الحقوق السياسية والمدنية ويعالج القسم الثاني الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وبعد ان انعقد المؤتمر الأوربي لحماية حقوق الانسان (1950) تبعه انشاء اللجنة الاوربية لحقوق الانسان (1953) والمحكمة الاوربية لحقوق الانسان (1958) وانشأت منظمو العفو الدولية عام (1961) وكان العام (1968) العام الدولي لحقوق الانسان, وفي العام (1973) عقد مؤتمر هلسنكي للأمن والتعاون في اوربا وتضمن قراره الأخير لعام 1975 فقرة حول (احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية) وهكذا أصبحت اللائحة الدولية لحقوق الانسان حقيقة واقعة بعد ان ظلت مجرد حلم لمدة طويلة.

ولكن مع الأسف فان ما يجري على ارض الواقع يؤكد ان الإعلان العالمي لحقوق الانسان يرافقه دوما انتهاك عالمي لها.

والسؤال الموجه للمسيحيين ما الذي يجعل للبشر اية حقوق؟ ومن اين اكتسبوها؟ هل لدى المسيحيين اية مساهمات في هذا الجانب؟

ان اصل حقوق الانسان هو الخلق, والانسان لم يكتسب هذه الحقوق ابداً,  كما انها لم تمنح له من اية حكومة او سلطة, بل كان يملكها منذ البداية. لقد نالها مع الحياة من يد خالقه.

تقول كلمة الرب (27 فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ. 28 وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلاوا الارْضَ وَاخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الارْضِ».) تك1

أولا- الانسان مخلوق على صورة الله, وبالتالي له حرية العبادة, بغض النظر عن وجهة نظرنا في هذه العبادة او تلك.

ثانياً- ذكرا وانثى خلقهم, وبالتالي قدسية الزواج, والعائلة, والاحترام بغض النظر عن العمر, حق مشروع له. فمن حق الرجل الزواج بمن يريد من النساء, وان يشكل العائلة التي يريد, وان يحظى بكل الاحترام, حتى لو اختلفنا معه بوجهة النظر.

 ثالثا – املأوا الأرض واخضعوها, فحق العمل والحياة والصحة والتحرر من الفقر يأتي تحت عنوان علاقتنا بالأرض.

فجميع حقوق الانسان هي بالأساس الحق في ان يكون انسانا, وان يتمتع بالكرامة لأنه مخلوق على صورة الله.

ان الكتاب المقدس مع كونه يؤكد على حقوق الانسان لكنه بذات الوقت يؤكد ان الانسان خاطئ لذلك ليست حقوقه بلا حدود, لأن الخطية قد شوهت طبيعته فلزم القانون الذي يحد من حريته وبنفس الوقت لا ينتهك هذه الحرية.

فمثلاً: لا يمكن للمجرم ان يتمتع بحقوقه كاملة وهو في السجن. ولا يمكن للشاذ جنسيا ان يتمتع بحقوقه كاملة طالما انه يمشي بعكس التكوين الطبيعي للإنسان, اذ لا يمكن تشكيل عائلة من رجلين او من فتاتين. ولا يمكن ان يسمح لمثل هذا الرباط بين مثليين ان يتبنوا أطفالا. ولا يمكن ان تمنح الحرية للسارق قبل ان يستوفي اجره...الخ

فالحرية مشروطة بالقانون الذي يحكمها, وعلى من يضع القانون ان يسهر على تطبيقه.

وعلينا ان ندرك ان الصراع بين حقي وحقك, وحقي وحق الجماعة, وحقوق الأمم المتجاورة في الجغرافية لن ينتهي, وسيبقى فساد الانسان هو الذي يعبث بهم. لأن الانسان يميل دائما الى شريعة الأقوى ويُغلّب الانانية على المحبة, حيث في الأولى يتجلى مبدأ الاخذ, وفي الثانية مبدأ العطاء.

الكتاب المقدس يخبرنا ان الانسان بدون المسيح لا قانون أخلاقي يردعه عن اية ممارسة عندما يكون في موضع القوة. لذلك يحتاج للقانون الأرضي الذي يحكم سلوكه.

والكتاب المقدس يؤكد ان الحاكم وكيل, وينبغي ان يحكم بالعدل, وان لا يحابي بالوجوه. وقد سبق ان وبخ الله داود وغيره من الملوك الذين طغوا, او اعتبروا انه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم. والوكيل لابد ان يعطي حساب وكالته. وبالتالي لا يوجد من يدعي بانه مفوض من الله لان الجميع وكلاء.

نستطيع ككنيسة ان نقدم اسهامات في شريعة حقوق الانسان ولكننا في اعماقنا نعلم ان هذا العالم قد وضع في الشرير. قد يتجاوب الناس مع مبادئنا وقد لا يتجاوبون ولكن في النهاية لا نستطيع ان نقول ما قاله قايين لله: احارس انا لأخي.

علينا كمسيحيين ان نعمل من اجل خير الاخرين لأن هذا ينعكس علينا, ذاكرين قول الرب (فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ لأَنَّ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ.)

وعلينا ان نصلي من اجل الجميع ملوك ومسؤولين وقادة, وان لا نتهرب من كل الواجبات المترتبة علينا وان نعطي لقيصر ما لقيصر, لنستطيع ان نطلب من قيصر ان يعطينا ما لنا.

ق. نبيل يعقوب