دراسات عامة
تسجيل

الهُويّة الجنسيّة

*تعريف الهُويّة الجنسية: هي ادراك الشخص لكونه ذكراً أو أنثى, وأنه ينتمي لجنسه شكلاً ومضموناً. وتضطرب هذه الهُويّة عندما يشعر الشخص بعدم الارتياح نحو الجنس الذي ولد به.

وإذ نتحدث عن الهوُيّة الجنسية لابد ان نتطرق إلى مغايري الهوية الجنسية، وإلى المثلية الجنسية باعتبارهما اضطرابا في الهُويّة الجنسية.

*تعريف مغايري الهُويّة الجنسية (مشتهي تغيير الجنس): هم الذين يريدون تغيير جنسهم، أو يشعرون أنهم ولدوا على الجنس الخطأ.

*تعريف المثليّة الجنسية, هي توجه جنسي, يتصف بالانجذاب الجنسي, أو الشعوري, بين أشخاص من نفس الجنس.

*التصنيفات الرئيسية للميول الجنسية عند البشر

1- المثلية الجنسية: المثلي جنسياً هو الذي ينجذب بشكل أساسي إلى أشخاص يماثلونه في نوع جنسه، وقد ينجذب بصورة ضئيلة أو معدومة إلى الجنس الآخر, وليس من الضروري أن يعبّر الشخص عن ميوله الجنسية من خلال ممارسة الجنس فعلياً.

ان الذكر ذو الميول المثلية يلقب "مثلياً" أو "مثلي الجنس", وقد يعبر عنه بالمصطلح غير الحيادي "شاذ جنسياً ", أو بمصطلح "لوطي". والأنثى ذات الميول الجنسية المثلية تُلقب "مثلية الجنس" أو "سحاقية".

2- المغايرة: أي الذي ينجذب للجنس الآخر ويدعى أيضاً "سوياً ".

3- ازدواجية الميول الجنسية: أي الذي ينجذب للجنسين, ويدعى أيضاً "مشتهي الجنسين".

*التفسير العلمي للميول الجنسية؟

فيالعلم لا يُعْتَبَر الميل الجنسي اختياراً، وإنما تفاعلاً معقداً لعواملبيولوجيةوبيئية. ورغم الاعتقاد الشائع بأنَّ السلوك المثلي هو شذوذ أو اختلال، فقد أظهرت الأبحاث أنَّ المثلية الجنسية هي إحدى التنوعات في الجنسانية الإنسانية.

بالحقيقة ما من إجماع علمي على العوامل التي تحدد التوجهات الجنسية, وليس من المعروف إن كان الميل الجنسي يتكون بنفس الشكل لدى النساء والرجال, وقد تم اقتراح العديد من التفسيرات، لكن لم يتم إثبات أي تفسير. أمّا التفسيرات التي اقتُرِحت فيمكن تصنيفها علمياً ضمن ثلاثة عوامل رئيسية: هي الجينية، والبيولوجية أثناء نمو الجنين، والبيئية النفسية.

*متى يُفصح الشخص عن ميوله الجنسية أو هُويته الجنسية؟

يتم الإفصاح عادة على ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى هي الإدراك، إذ يدرك الشخص أن له ميولاً مثلية.

المرحلة الثانية هي اتخاذ القرار بالكشف للآخرين عن هذه الميول.

المرحلة الثالثة هي تَقبّل الشخص لميولِهِ, وبالتالي يبدأ يعيش حياته كمثلي جهاراً.

في الماضي أُجريت تجارب عديدة في محاولة لتغيير التوجهات الجنسية (وبالتحديد تحويل الميول المثلية إلى مغايرة, أي إلى طبيعية)، وذلك بواسطة التحليلات النفسية، أو بواسطة الأدوية ووسائل علاج أخرى تُعرف بعلاجات التحويل. لكن الغالبية العظمى من المؤسسات الطبية في مجالات علم النفس, والطب النفسي تقول بأن التوجه الجنسي ليس اختياراً, وبالتالي هو غير قابل للتغيير.

إن السلوك المثلي ليس مقتصرا على الانسان فقط, بل هو منتشر وشائع في مملكة الحيوان, وهو يتضمن التزاوج، طقوس المغازلة، الارتباط الزوجي, وتربية النسل. وكمثال على ذلك الإوز الأسود, فقد لوحظ أنَّ ربع أزواج الإوز الأسود هم أزواج مثليين من الذكور, ويقوم الزوجان المثليان أحياناً بسرقة الأعشاش, أو تكوين علاقة ثلاثية مؤقتة مع أنثى الإوز من أجل الحصول على بيوضها ومن ثم يَطرُدانِها. وقد تمت ملاحظة السلوك المثلي في نحو 1500 نوع من أنواع الحيوانات التي تراوحت من الرئيسيات, إلى الدود الشصي.

*المثلية الجنسية من الرفض الى القبول

ثمة أدوار كان يقوم بها الرجل وهي محظورة على المرأة والعكس صحيح, ومع مرور الوقت ما كان من أدوار تخص الرجل صار مباحاً للمرأة والعكس صحيح, وهكذا بدأت تختلط الأدوار وتنقلب الموازين حتى صارت المثلية المحظورة في وقت من الأوقات, مقبولة في وقت آخر. فمثلاً, بينما استمر تنفيذ عقوبات الإعدام للمثليين حتى عام (1803م) في هولندا، وحتى عام (1835م) في إنجلترا. نرى اليوم إن قوانين التسامح مع المثليين هي التي تسود, لأن الثقافة اختلفت, أي الهوية الجندريّة تغيرت.

في عام (1867م) أصبح (كارل هينريخ أولرخس) أول مِثلي يدافع علناً عن المثلية الجنسية، حين نادى بقرار يحث على إلغاء القوانين ضد المثلية الجنسية في مؤتمر الحقوقيين الألمانيين في ميونخ.

في أوائل القرن العشرين بدأت بعض دول العالم الغربي برفع التجريم عن السلوكيات المثلية، ومنها بولندا عام (1932م)، الدنمارك عام (1933م)، السويد عام (1944م)، والمملكة المتحدة عام (1967م). أما حصول المثليين على الحقوق المدنية فتأخر الى منتصف السبعينات.

نقطة التحول في المثلية الجنسية كانت عام (1973م) حين قامت -الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين- بشطب المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، أي ألغت تعريفها كاضطراب نفسي أو شذوذ جنسي, وبناء عليه خلال الثمانينات والتسعينات سنَّت معظم الدول الغربية قوانين تمنع التمييز ضد المثليين في فرص العمل والإسكان والخدمات.

منذ منتصف القرن العشرين، بدأ رفع التجريم عن المثلية الجنسية تدريجياً، ولم تعد تصنف كمرض في معظم الدول الغربية. وقد ظهرت حركة عالمية منذ نهاية القرن التاسع عشر تهدف لزيادة الاعتراف بالمثليين وتواجدهم العلني والمساواة بحقوقهم الشرعية، بما فيها حقوق الزواج، التبني، العمل، الخدمة العسكرية، العناية الطبية، وكذلك سن تشريعات تحمي القاصرين المثليين.

في عام 2008 قدَّرت جمعية المثليين العالمية عدد الدول التي تُجرِّم المثلية الجنسية في أفريقيا بحوالي 38 دولة، بينما هناك على الأقل 13 دولة تسمح بها. وفي آسيا على الأقل 20 دولة, المثلية الجنسية فيها قانونية، ومنها الصين، اليابان، هونغ كونغ، تايلاند، فيتنام، كوريا الجنوبية, والهند.

بينما في الدول العربية, تُعتبر المثلية الجنسية في الأردن (منذ عام 1951) قانونية، وفي العراق منذ عام (2003) قانونية, وهي كذلك في البحرين منذ العام (1976) لمن هم فوق سن الواحد والعشرين. وفي الكويت وقطر العلاقات المثلية بين النساء قانونية، لكنها ممنوعة بين الرجال. في الأراضي الفلسطينية، المثلية الجنسية بين الرجال ممنوعة في غزة فقط.

وهناك أيضاً دول ذات أكثرية مسلمة تضمن حقوق المثليين مثل ألبانيا- وسيراليون- وغينيا بيساو- وتركيا- وكازخستان.

أما إسرائيل فتُعتبر الدولة الأكثر تسامحاً تجاه المثليين في الشرق الأوسط.

تُعتبر المنظمات الداعمة للمثليين نادرة في المجتمعات العربية والإسلامية، وعادةً لا تستطيع حماية المثليين من القوانين الـمُجرِّمة لهم, وهذه المنظمات بدأت بالازدياد والنمو حديثاً، ومنها الفلسطينية مثل, منظمة القوس وأصوات، واللبنانية مثل حلم، والجزائرية مثل جمعية أبو نواس.

أكثر الرموز البارزة التي يستعملها الناشطون والمنظمات التي تهتم بمسائل المثليين هي المثلث الوردي, وعلم قوس قزح (علم الفخر), الذي اُتُخذ منذ عام 1978 كرمز دولي للمثليين والمثليّات.

إن موضوع المثليّة في العالم العربي بشكل عام محظور, حيث التحاملات والأفكار المسبقة القمعية تحيط بالمثلية الجنسية، ويُنظر إليها عادةً على أنها ظاهرة شاذة، منفرَّة، غير مقبولة، لا تجوز دينياً، ومستوردة من الغرب. أو هي خيارٌ منحرفٌ, أو علامة على مرضٍ نفسي. ورجال الدين يستنكرون موضوع المثلية, ويعتبرونه خطيئة. أمّا الإعلام والأفلام والكتب عامةً, فتتردد في تناوله بشكل مباشر باعتباره (عمل مشين) أو (سلوك شاذ). نتيجة لذلك، غالباً لا يُعبِّر المثلييون عن ميولهم علناً، ويُبقون الأمر سراً.

أما الحكومات وعامة الناس في العالم العربي فغالباً ينكرون وجود المثلية عندهم, أو يتجاهلونها. وأحياناً يُجبر المثلييون العرب والمسلمون على الزواج من شخص من الجنس الآخر من أجل الحفاظ على سمعة العائلة.

*الكتاب المقدس والمثلية الجنسية

ما هي نظرة الكتاب المقدس إلى المِثليّة الجنسيّة, أي إلى الانجذاب الجنسي, أو الشعوري, بين أشخاص من نفس الجنس؟

تقول كلمة الرب: "فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ... ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأوا الارْضَ"(تكوين1: 27- 28). وهذا يعني ان الله قد خلق جِنسَين فقط لا ثالث لهما, الذكر والأنثى. وهذه الثنائيّة تحفل بها خليقة الله, لاحظ مثلاً عندما أَمَر الربّ نوحًا ببناء الفُلك لكي يَجلِب لاحقًا الطوفان على الأرض، أمره أن يَدخُل هو وزوجتُه إلى الفُلك (السفينة)، وان يُدخل أبناءَه الثلاثة وزوجاتُهم الثلاث إلى الفلك، وان يُدخل كلّ حيّ من كلّ ذي جَسَد اثنين, ذكرًا وأنثى . وبعد انتهاء الطوفان طلب الله إلى نوح أن يَخرُج هو وامرأتُه وبَنيه وعائلاتُهم وكلّ الحيوانات التي معه لتتوالد في الأرض وتُثمر وتَكثُر على الأرض. فمُخطّط الله مِنَ البداية واضحٌ، اذ خَلق الكائنات الحيّة جميعها (إنسان، حيوان) ذكرًا وأنثى لتتوالد. إذا من مقاصد الله في خلق الإنسان ذكرًا وأنثى هو نشوء علاقة مُقدّسة بين رجلٍ واحدٍ, وامرأة واحدة يَختارُها زوجةً وشَريكةً لحياتِه، ولا يُفرّق بينهما إلّا الموت.

لكن سقوط آدم وحوّاء جَلَب الدمار على الخليقة بأسرِها فالأرض أصبحت ملعونةً بسبب آدم, وطبيعة الأشياء كلها قد تغيرت اذ سادت عليها الخطيئة, ومالت الخليقة بأكملها لتعمل ضد قداسة الله, أي ضد القانون الأخلاقي الذي وضعه الله للجميع.

وهاهو الكتاب المقدس يخبرنا عن قايين الذي قام على أخيه هابيل وقتله, وعن لامَك الذي اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ امْرَاتَيْنِ, وعن رجال سدوم وعمورة الذين يفعلون الفحشاء ذكورا بذكور, والقائمة تطول.

ونحن اليوم في عصر لم يعد فيه مبدأ أخلاقي ثابت, فالأمور تتغير من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى. وماهو مُحرّم اليوم غداً مستباح والعكس صحيح.

لذلك نحتاج الكتاب المقدس الذي يحوي القيم الأخلاقية النابعة من شخصية الله الصالحة, والتي لا تتغير بمرور الزمن ولا باختلاف ثقافات البشر, ليكون دستورنا وميزان أخلاقنا, ومنه نصوغ كل ما نحتاجه من تعاريف أخلاقية.

الكتاب المقدس يميز ما بين المثليّة, والممارسة المثلية. فالمثلية أمر طبيعي إذ ان الإنسان لا يتحكم بهُويّته الجنسيّة, ولكن الممارسة المثلية الجنسيّة هي الأمر غير الطبيعي, لأنها ضد القانون الطبيعي للخلق.

في قصة سدوم وعمورة نجد ان الرب قد أمطر من السماء كبريتًا ونارًا وقَلَبَ تلك الـمُدُن وكلّ الدائرة وجميع سُكّان الـمُدُن ونباتات الأرض, بسبب المثلية الجنسية.

ومع ان الثقافة السائدة, أي الهُويّة الجندريّة لأهل سدوم وعمورة في ذلك الوقت تقول, ان الممارسة المثلية أمرٌ مشروع. لكننا نجد أن الرب لا يوافق الجماعة رأيها, والكتاب المقدس يقول, "وَكَانَ اهْلُ سَدُومَ اشْرَارا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدّا"(تكوين13: 13).

ان رأي الكتاب المقدس في المثلية الجنسية, وفي دينونتها واضح, "اذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأةٍ فَقَدْ فَعَلا كِلاهُمَا رِجْسا. انَّهُمَا يُقْتَلانِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا"(لاويين20: 13), هذه الآية ليست نبوية, لكنها قيلت في وقت قد سادت فيه المثلية الجنسية, التي يصفها الكتاب المقدس بالرجاسة, التي دينونتها الموت.

وفي رسالة رومية قيل عن ممارسي المثلية الجنسية: "الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ!" (رومية1: 32), أي عندهم معرفة غريزية بأن هذه الأمور خطأ ولا تجوز, وأنها تجعلهم مستحِقّين الموت. ورغم ادراكهم لهذا الحُكم يحاولون تبرير تلك الخطايا, ويتّحدون مع الآخرين شركائهم في الخطيّة, لفعلها ونشرها.

وفي كورنثوس الأولى يُصنَّف مضاجعوا الذكور ضمن قائمة الخطاة, الذين لا يرثون ملكوت الله.

ان الكتاب المقدس يَعتبر المثليّة الجنسيّة خطيّة تستوجب الدينونة, ولكنه مع ذلك يقدِّم عفوًا وغفرانًا للمثليين, كما يقدِّم العفو والغفران لكل الخطاة الذين يتوبون ويؤمنون بالربّ يسوع المسيح. وهو يؤكد أن الذين سبق أن سقطوا في تلك الخطية البشعة, يستطيعون الآن أن يجدوا نتيجة ايمانهم بالرب يسوع المسيح ليس غفرانًا فقط, بل تحريراً كاملاً من هذه الممارسات الجنسية المِثْليّة.

إن العلاقات الجنسية ليست كل شيء في الحياة حتى يقال, ان المثلي لا يستطيع ان يتخلص من شهوته. فهناك الكثير من الناس غير المؤمنين, لسبب او لآخر قد خَصَوْا انفسهم, أي امتنعوا عن هذه العلاقات الجنسية لأنهم مشغولون بأمور لها من الأهمية الشيء الكثير. وكذلك بعض المؤمنين, من اجل ملكوت الله قد خصوا انْفُسِهِم, فامتنعوا عن الزواج. ان الأمر ليس بهذه الصعوبة, فالشخص ذو الميول الجنسيّة المِثليّة عندما يَقبَل نِعمة الله المـُخلِّصة لحياتِه, يُصبِح خَليقةً جديدة في المسيح، بمعنى أنّ الله يُسامِحُه على الماضي, ويمنحه القدرة لكي يغلب هذه العادة, كما منح القوة لغيره من المدمنين على المخدرات, او الكحول ليتخلصوا منها. فلا عذر لمن آمن بالمسيح أن يستمرّ بممارسة خطاياه السالفة, من مِثليَّه جِنسيّة, أو غيرها.

وبعد كل هذه النعمة، هل من عجب أن يكون غضب الله مُعلناً من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم؟ كلا. وإنما العجب كل العجب أن يكون خلاص الله معلناً في الانجيل لهؤلاء الناس الخطاة، لا على أساس أعمال تُطلب منهم وهم اعجز من ان يؤدوها, بل على أساس الإيمان بما عمله المسيح لأجلهم.

عن كتاب (من يصنع هُويّتي) لمؤلفه القس نبيل سمعان يعقوب