الهُويّة الدينيّة

*تعريف الهُويّة الدينيّة:

تتكوّن الهُويّة الدينية من خلال الإيمان بذات إلهيّة جديرة بالطاعة والعبادة, وهذا الايمان مبني على نصوص دينية توفر جُملَةً من العلامات الفارقة لهذه الهُويّة الدينية.

ولأن قراءة وفهم النصوص الدينية مرتبط بعاملين متغيرين هما, عامل النُضج الذاتي، وعامل البيئة الاجتماعية, تُعتبر الهُويّة الدينية هُويّة متغيرة غير مستقرة.

*الصراع بين الهُويّه الدينيّة, والهُويّه الوطنيّة؟

عادة ما تكون الهُويّة الوطنيّة هُويّة جامعة, أي تُراعي وتحترم خصوصيّات الهُويّات الأخرى ضمن الدولة الواحدة ,كالهُويّة العرقيّة، والهُويّة اللُغويّة، والهُويّة الدينيّة، الخ..

هذا المفهوم الجمعي للهُويّة الوطنية نراه واضحا في الغرب, بينما مع الأسف, في الدول العربية ودول العالم الثالث نراه مشوشا ومنقوصاً. فمثلاً, في الدول الغربية نجد المواطنون يتمتعون بحقوق كاملة غير منقوصة يَكفَلُها الدستورٌ الذي يُزكي الأفضل, بغض النظر عن المعتقدات الدينية او السياسية أو الأصول العرقية. بينما في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية لا يمكن ان تجد شخصا في منصب حساس لمجرد كونه مواطن لديه الكفاءة. وفي الغالب يكون التعامل مع المواطن إمّا مبني على اعتبارات دينية, او على توَجُّهات مُشابِهة لتَوَجُّهات وانتماءات الحُكّام والمسؤولين.

إن هذه الطريقة من التعامل تجعل الكثيرين في البلاد العربية وبُلدان العالم الثالث يشعرون بالاغتِراب في أوطانِهم, وهذا ما يُضعف لديهم حس الانتماء للهُويّة الوطنيّة. والدليل على ذلك يبدأ من هِجرة المواطنين مَحطّات التلفزة والإذاعات الرسميّة للدولة التي يقيمون فيها، مرورًا بِطوابير شباب دول العالم الثالث على أبواب سفارات أميركا والاتّحاد الأوروبّي طلبًا للحصول على تأشيرة هجرة أو عَمَل, وانتهاءً بِمُحاولات هجرة غير شرعيّة تنتهي بالغالِب بحوادث غَرَقٍ مُؤلِمة, كما يحدث في أيامنا هذه.

إن غالبيّة الدساتير والقوانين التي تحتَكم إليها الدول العربيّة تُنادي بأنّ دين الدولة هو الإسلام, وبالتالي فإنّ غير الـمُسلِمين في هذه الدُوَل يُعامَلون على أساس أنّهم أهلُ ذِمّة, فهم بالتالي قانونياً مُواطنون مَنقوصو الحقوق وأقرب إلى مُواطِنين من الدرجة الثانية.

في غالبيّة الدول العربيّة تكون المناهِج الدراسيّة ذاتُ لونٍ واحد، ويتمّ تَجاهُل بقيّة أطياف المـُجتَمع حيث يتم التعتيم على التنوع الديني والعرقي, لينتهي بحرمان الأقليّات من حقوقِها, ودفعها بشكل قسري الى الهجرة باتجاه الغرب كما يَحدُث مع المسيحيّين والايزيديّين في العراق.

وربما واحد من اكثر المصطلحات اذيّة والمستخدم في مناهج التعليم العربية هو مصطلح (الفتوحات الإسلامية), حيث يشعر غير المسلم بانه مستباح في وطنه, وسيبقى كذلك حتى تتغير هُويّته او يَرحل الى الغرب, الى مكان تُحترم فيه هُويته الدينية.

فكيف يمكن للفرد ان ينتمي لدولة تُهمشه, وتطلب منه في ذات الوقت ان يدافع عن وطن علمه يحوي عبارات او رموز تستقصيه, ودستوره مُستمد من كتاب يعتبره أهل ذمة. (انظر الى العلم العراقي او السعودي او التونسي او الجزائري او الموريتاني لتكتشف الفكر الإقصائي للدول تجاه الاقليات الموجودة فيها. ينبغي ان تُستبدل بهذه الرموز رموزاً علمانية تؤكد على ان الدولة تحترم الجميع)

لقد لَعِب الـمَسيحيّون دورًا هامًّا طليعيًّا في البلاد العربيّة والإسلاميّة الموجودين فيها، فقد أسّسوا المدارس والجامعات والـمُستشفيات وكانوا همزة وصلٍ بين بِلادِهِم والغرب، ويُسجِّل لنا التاريخ القديم والحديث أنّ أعظم الأطبّاء والـمُترجِمين, والـمُثقّفين, والذين قادوا النهضات في بلدانهم كانوا مَسيحيّين. لكن الجهل والتعصب في البلاد العربية حوّل المسيحيين الى حمولة زائدة في مجتمعاتهم ينبغي التخلص منها. وهذا حال بقية الاقليات الذين هاجروا أو هُجروا من بلادهم الى بلاد أخرى أملاً في الحصول على هُويّة وطنية غير منقوصة يمنحهم إياها الغرب.

لقد أدركت دُوَل الغرب أنّ الهُويّات الفرعيّة لأفراد المـُجتمع الواحد ليست مكوِّنًا أساسيًّا من مُكوّنات الهُويّة الوطنيّة، لذلك أعطت الحُرّيّة لكلّ فرد أن يكون حرًّا في اعتقاداتِه. ومن جهته أدرك الفرد بأنّ هُويّتَه الفرعيّة لن تَحرُمَه من كامل حُقوقِه التي يَكفلُها له الدستور كمُواطِن في تلك الدولة فتمسك بهويته الوطنية. بمعنى ان الكردي, أو الأرمني, أو المسيحي, أو الهندوسي, في الدول الأوربية ليس لديه قلق إن أعلن هُويته الدينية أو العرقية, لأنه يدرك أن هذه الهُوية لا تتعارض مع هُويته الوطنية, وان الدولة تحترم خصوصيته, لذلك تراه متمسكاً بهويته الوطنية التي تضمن هويته الخاصة ان كانت دينية او عرقية او سياسية او ما شابه. بينما في الدول العربية ودول العالم الثالث, هناك صراع شديد بين الهُوية الوطنية وباقي الهُويّات, خاصة الهوية الدينية, فيندفع الفرد للانتصار لهُويته الخاصة على حساب هُويته الوطنية التي تحرمه من حقوقه. وهذا ما يؤدي بالتالي الى تفتيت البلدان التي لا تحترم خصوصيات مواطنيها. لذلك ينبغي على الحكومات العربية التي تود المحافظة على هُويّتها الوطنية أن تتعلم درساً مُهماً من الاحداث التي عصفت بها, فتُعلم اطفالها في المدارس احترام الآخر بغض النظر عن أفكارهِ أو عرقه. وتُعلّم المراهقين أن هُويّة الآخر الدينية لا تعني بالضرورة انه خصم. وتُعلّم موظفيها ان المراكز الإدارية في الدولة توزع على أساس الهُويّة الوطنية وليس على أساس الهُويّة الخاصة, ان كانت دينية, او عرقية, او سياسية. وعليها أن تدرك أن التنوع في النسيج الوطني مهم جداً, وبدونه تتحول الدولة الى مجرد عصابة عرقية او دينية غايتها ان تُرهب الآخرين. وعليها أن تفهم أيضاً بأنّ الطائفيّة والـمَذهبيّة أمران مُقيتان، وأنّ تَجاهُلها لِخُصوصيّات الأقليّات يَعني تَقوِية الروح الإقصائيّة, العدائية, وهدم للهُويّة الوطنية. والأهم من كل ذلك عليها أن تُعلن في دساتيرها انها دول علمانية كما اعلن الغرب من قبلها ليؤكد على المفهوم الجمعي للهُويّة الوطنية.

*الهُويّة الدينية وصراع الأديان

لا أحد يستطيع ان يحصي عدد الديانات في العالم, ولا تنوعها, ولا عدد الكتب التي تنشر ثقافتها, وفلسفتها الخاصة للحياة والخلود.

كل ديانة لها نمطها الخاص من العبادة, ومع انها تتشارك جمعيها في عبادة الله, لكن الله ليس نفسه في كل العبادات, كما ان تشارك الأشخاص في ذات الاسم لا يعني انهم واحد.

هناك ديانات تعبد الهاً في السماء بغض النظر عن ذات هذا الإله, أو عن كونه ذاتا عاقلاً, أو قوة غير عاقلة. وهناك ديانات تعبد الهاً على الأرض, قد يكون نباتاً او جماداً أو إنساناً, أو حيواناً, أو شيئاً. وهناك ديانات تعبد أرواحاً لكائنات أرضية قد ماتت, او تعبد أرواحاً سماوية.

ومع ان معظم دول العالم قد سنت قوانين, وشرّعت أنظمة تكفل الحقوق الدينية لمواطنيها, وتمنع الصراع الديني فيما بينهم لكنها لم تنجح, ويعود السبب في ذلك الى قناعة كل ديانة بمصداقية رسالتها, وضرورة امتداد هذه الرسالة لتكون رسالة كل البشر. لذلك وقعت باسم الدين المئات من الحروب في العالم وما تزال, وباسم الدين طَحن البشر بعضهم البعض الآخر, وداسوا إنسانية الانسان, وأذلّوه كأحقر الحشرات.

لكل فرد هُويته الدينية التي من خلالها يُقيّم نفسه إيجاباً, ويقيّم الاخر سلباً, وبسبب هذا المنظور الديني للآخر سيبقى الصراع قائماً, وإن كان بدرجات تتفاوت ما بين ثقافة الرفض, وثقافة القتل, ولن تُحسم هذه الصراعات إلا بتبني الدول للدساتير العلمانية, التي تكفل حرية العبادة, وتلزم الناس من خلال سلطة القانون وقوته باحترام بعضهم البعض, والتعايش تحت علم واحد, كضرورة للبقاء.

عن كتاب (من يصنع هُويتي) لمؤلفه القس نبيل سمعان يعقوب