شخصيات تاريخية
تسجيل

جوناثان إدواردز ‏(1703- 1758) 

"جوناثان إدواردز" هو راعٍ جمهوريّ، واعظ ومُبشّر بالنّهضة والانتعاش، مُرسَل بين الهنود، كاتب، وأوّل رئيس لجامعة "برنستون" "Princeton". وبتقدير بعض المؤرّخين، هو أعظم لاهوتيّ برز في أميركا الشّماليّة.

ظهرت على "إدواردز" علامات النّبوغ والنّضج الفكريّ منذ حداثته، إذ حصّل علومًا واسعة في اللاّتينيّة واليونانيّة والعبريّة. كتب بعض المقالات الفلسفيّة قبل بلوغه الثّالثة عشرة من عمره. ثمّ التحق بجامعة "يال" في العام 1716، وتخرّج منها عام 1720، وكان لم يزل في السّابعة عشرة من عمره. وخلال فترة دراسته، بدأ "إدواردز" يكوّن أفكاره حول يسوع المسيح وعطيّة الخلاص. وبعد خدمته القصيرة في "نيو يورك"، عُيِّن مُرشِدًا للطّلبة في جامعة "يال". بعد وفاة جدّه، القسّ "صموئيل ستودارد"، تولّى الخدمة في كنيسة "نورثِمبتون" في "ماساتشوسِتس"، الّتي كان قد خدَمَ فيها منذ العام 1724 كخادِم مُعاوِن لجدِّه. خلال العامَين 1734 و1735، بدأت تظهر النّهضة الرّوحيّة بين "المُصلَحين الهولنديّين الكالفينيّين" "Calvinistic Dutch Reformed" و"المشيخيّين" "Presbyterians" والجاليات البريطانيّة، وقد طال هذا الانتعاش

.

جماعات المؤمنين في "نيو إنغلاند". وكان السّبب الأساس وراء كلّ ذلك، قوّة مواعظ "إدواردز" وفاعليّتها في جموع المؤمنين، وتركيزه على هذا الموضوع. ومثال على ذلك، عظته الشّهيرة: "خطاة بين يدَي إله غاضب" "Sinners in the Hands of an Angry God"، الّتي كان لها تأثير فعّال في السّامعين، وقد أثبتت قوّة "إدواردز" المنبريّة. وفي العامَين 1740 و1741، استمرّ انتشار هذه النّهضة في عدد كبير من المناطق المجاورة.

بعد تولّي "جوناثان إدواردز" رعاية الكنيسة في "نورثِمبتون"، رفض قبول غير المخَلَّصين إلى مائدة الرّبّ، ممّا أدّى إلى حصول خلافات بينه وبين بعض العائلات من رعيّته، أدّت إلى إعفائه من مهامّه الرّعويّة في الكنيسة عام 1750. ولكنّه، وعلى الرّغم من ذلك، استمرّ في الخدمة إلى أن حلّ مكانه قسًّا مناسبًا تولّى رعاية الكنيسة.

خدم "إدواردز"، بعد ذلك، كمُرسَل مُبشِّر بين الهنود، بالإضافة إلى رعاية كنيسة تقع على حدود "ستوك بريدج". وفي ذلك الوقت، تعرّف إلى "جورج وايتفيلد"، الّذي كان قد برز كواعظ قدير في "بوسطن" و"نيو إنغلاند". وفي شهر شباط من ذلك العام، قَبِل تولّي رئاسة جامعة "برنستون" كأوّل رئيس لها، بعد تردُّد سببه رغبته في متابعة الكتابة.

أمّا الأمر الّذي قاد "إدواردز" إلى تسليم حياته للرّبّ يسوع المسيح وتكريس نفسه لخدمته، فهو إيمانه بأنّ الإنسان يملك القدرة العقليّة الّتي تقوده إلى الرّجوع إلى الرّبّ، ولكنّ إرادته الحقيقيّة، وبسبب الفساد الكلّيّ للطّبيعة البشريّة، لا تسمح له بالرّجوع من دون تدخّل النّعمة الإلهيّة الّتي تقوده إلى الخلاص؛ وبمعنًى آخر: فصل العقل عن القلب. وقد كتب "إدواردز" تفسيرًا لهذا الموضوع في كتابه "حرّيّة الإرادة" "Freedom of the Will"، ركّز فيه على أنّ الرّبّ يكرِّس الإنسان ويقوده إلى خدمته، بحسب الموهبة المُعطاة له، بعد أن يكون قد آمن وأصبح مسيحيًّا مُخَلَّصًا. ثمّ ألحَقَ هذا الكتاب بآخر تحت عنوان "الخطيّة الأصليّة" "The Original Sin"، مهّد فيه لعدّة كتابات، منها: "الشّعور الدّينيّ" "Religious Affection". وقد أدّت خدمة "إدواردز" إلى نتائج غير متوقّعة، وهي ربح حوالى 40.000 شخص للمسيح في "نيو إنغلاند"، البالغ عدد سكّانها حوالى 300.000 نسمة، إضافة إلى تشييد 150 كنيسة جديدة.

توفّي "جوناثان إدواردز" عام 1758، بسبب لُقاح مرض الجدري. وقد عمل رجال الدّين الّذين جاؤوا بعد "إدواردز"، أمثال "إيمونز هوبكِنْز" و"ناثانائيل تايلور"، على توضيح الخطّ الدّينيّ في "نيو إنغلاند" بطرق كان "إدواردز" نفسه يرفضها. وعلى الرّغم من ذلك، فقد حظي "إدواردز" على عدد وافر من رجال الدّين، أمثال "أندرو فولر" و"روبرت هول" و"توماس تشامبِرز"، الّذين أيّدوا آراءه وكتاباته الّتي كان لها أثرها الفعّال في حياتهم.

منقول عن رسالة الكلمة, العدد: 9،  آب 2007, بقلم: رولا خيّاط