دراسات و عقائد
تسجيل

الخادم النبي[1]

قيلت هذه الكلمة عن الرب يسوع المسيح الذي هو إعلان[2] الله لنا والذي به كلمنا الآب (اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ)[3].

فها هو بطرس الرسول وكذلك استفانوس, يعلنان لليهود هذه الحقيقة, إن المسيح هو النبي[4] الذي تنبأ عنه موسى. وقد اعترف اليهود أيضاَ كنتيجة للأعمال العظيمة التي صنعها يسوع وسطهم بأنه نبي قائلين (قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ)[5].

والمسيح نفسه ألمحَ إلى كونه نبي بقوله (لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ)[6], و(يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ)[7].

ومن الواضح أن موهبة النبوة قد ظهرت مع تأسيس الكنيسة في يوم الخمسين فهاهو بطرس الرسول يعلن في ذلك اليوم (يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ)[8], ومن الواضح أن هذه الآية تشير إلى أن الروح القدس هو روح النبوة, ومن المفترض ظاهرياً أن يملك كل المؤمنين هذه الموهبة باعتبار أن الجميع يسكنهم الروح القدس. لكن الرسول بولس يوضح الأمر فيقول إن الروح القدس لا يعطي هذه الموهبة للجميع, بل يوزعها (قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ)[9].

.

وبالترتيب, بعد الرسل يأتي الأنبياء الذين ارتبطت خدمتهم مع الرسل في تأسيس الكنيسة[10], وهم أشخاصٌ تعيّنوا لهذه الخدمة من قبل الرب, وليس الكنيسة. ومن هؤلاء الأنبياء أَغَابُوسُ[11], وَيَهُوذَا وَسِيلاَ[12], وبنات فيلبس الأربع[13]. ويوحنا الرائي[14], وبعض المؤمنين في كنيسة كورنثوس[15].

كانت خدمة الأنبياء الأساسية هي بنيان الكنيسة أي خدمة روحية لا إدارية (وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ)[16], وذلك بالوعظ والتعزية (وَيَهُوذَا وَسِيلاَ إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضاً نَبِيَّيْنِ وَعَظَا الإِخْوَةَ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ.)[17], إضافة لإرشاد المؤمنين من خلال التنبؤ بالمستقبل كما فعل أغابوس النبي (وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعاً عَظِيماً كَانَ عَتِيداً أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ الَّذِي صَارَ أَيْضاً فِي أَيَّامِ كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ.)[18], (وَبَيْنَمَا نَحْنُ مُقِيمُونَ أَيَّاماً كَثِيرَةً انْحَدَرَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَغَابُوسُ. فَجَاءَ إِلَيْنَا وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: «هَذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ هَكَذَا سَيَرْبُطُهُ الْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الْأُمَمِ»)[19].

وربما خدمات الأنبياء تعطينا نوعين من الأنبياء, أنبياء يبنون الكنيسة بالوعظ والتعزية مثل يهوذا وسيلا ويوحنا الرائي, وأنبياء يرشدون الكنيسة مثل أغابوس وبنات فيلبس المبشر. وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود أنبياء يجمعون بين كل الخدمات.

ومن الملاحظ ان موهبة النبوة بمعنى الوعظ والتعزية ليست من اختصاص النساء حيث قيل(لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُوناً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ)[20], والصمت هنا بحسب القرينة يتعلق بأمرين, التكلم بألسنة والنبوة(الوعظ والتعزية). بينما موهبة الوعظ بمعنى الإرشاد تدخل ضمن دائرة الخدمات التي تؤديها النساء (وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ(ترشد))[21], فالآية تؤكد أن المرأة منذ البدء كانت تصلي, وأيضاً ترشد الكنيسة بنبوات مستقبلية دون أي مانع عقائدي.

ويبدوا أن خدمة الأنبياء للكلمة كانت مهمة جداً للكنيسة الناشئة, حيث كانوا يعلنون كلمة الله تحت الهام مباشر من الروح القدس, قبل وجود كتب العهد الجديد بالصورة القانونية. وعلى الأرجح أن خدمتهم قد توقفت بانتهاء الجيل الأول للكنيسة وظهور كتب العهد الجديد بصورتها القانونية, إذ لم يعد هناك من حاجة لأنبياء يفحصون الكتب ويؤكدون الحقائق الإلهية.

أما خدمة الأنبياء الإرشادية فليس بالضرورة أن تتوقف بتوقف خدمة أنبياء الكلمة, لأن الحاجة لمثل هذه الخدمات لم تنتفِ بعد. والرسول بولس يتحدث عن النبوات[22] باعتبارها ستبطل متى جاء الكامل, أي متى جاء المسيح أو بتعبير آخر متى وصلنا إلى الحالة الأبدية الكاملة. وإلى ذلك الوقت نحتاج كمؤمنين لموهبة النبوة بمعناها الإرشادي.

بقلم خادم الرب , نبيل سمعان يعقوب

 


[1]προφήτης) تقرأ (prof-ay'-tace), وتعني بالأصل اليوناني (متكلما ملهما).

Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries G4396

[2] - يوحنا1: 18.

[3] - عبرانيين1: 1-2.

[4] - أعمال3: 22+ 7: 37.

[5] - لوقا7: 16. قارن أيضاً (متى16: 14+ 21: 11+ مرقس6: 15+ يوحنا6: 14).

[6] - مرقس6: 4.

[7] - لوقا13: 33.

[8] - اعمال2: 17-18.

[9]- 1كورنثوس12: 11.

[10]- أفسس2: 20.

[11] -اعمال11: 27-28.

[12] - اعمال15: 32.

[13] - أعمال21: 8-9.

[14] - رؤيا1: 3+ 22: 9.

[15] - 1كورنثوس1: 7.

[16] - 1كورنثوس14: 4

[17] - اعمال15: 32.

[18] - اعمال11: 27-28.

[19] - اعمال21: 10-11.

[20]- 1كورنثوس14: 34.

[21]- 1كورنثوس11: 5.

[22]-اكورنثوس13: 8-9.