ما قبل الولادة 

ان القيام بدور الوالدين مغامرة رائعة وامتياز فريد من نوعه, والكثيرين يدخلون هذه المرحلة عادة بشكل مفاجئ وغير متوقع, فيرتبكون ويتساءلون: (هل عندي قدرة على تحمل المسؤولية), (هل سأنجح إذا صرت أباً), (لقد تورطت, ما العمل)..الخ

عندما تساورك هذه الأسئلة تذكّر أنك لست الأول, ولست الأخير, فالملايين قبلك دخلوا هذه المرحلة. وكما كانت عناية الله ترافق الكثيرين فإنها سترافقك انت أيضاً. فاتكل عليه, واستمع لمشورته بالصلاة, ذاكرا قول الكتاب: (إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ) مز127: 1.

إن المرّة الأولى التي تذهب فيها الزوجة للطبيب وتسمع صوته وهو يقول لها: (اصبحت أماً), هي من أسعد لحظات حياتها, فمغامرتها الرائعة بكونها أماً قد بدأت. وها هي الآن تحمل في احشائها المعجزة الإلهية, بل هدية الرب لها, ويالها من هديّة.

.

 

ولكن قبل ان تسمع الأم هذا الخبر المفرح من طبيبها, كانت قد حدثت أموراً عجيبة في احشائها. إذ تثبتت كتلة صغيرة جداً من 64 إلى 128 خلية في غشاء رحمها, بعد التقاء البويضة بالحيوان المنوي. وبعد حوالي 72 ساعة يرسل الكائن البشري المتشكل اشارات هرمونية قوية تلغي الدورة الشهرية للأم وتمنع طرح غشاء الرحم.

وعندما تنقطع الدورة الشهريّة للأم يبدأ الأبوان بتوقع الكثير من جهة المولود (حجمه, لون شعره, لون عيناه, من يشبه, هل هو ذكي كأباه أو كأمه..). وبنفس الوقت تظهر تغيرات كبيرة على الأم تتعلق بحالتها النفسية والجسدية. مما يعطي الفرصة للأهل والأصدقاء لتقديم الكثير من النصائح, والتدخل أحيانا بطريقة مربكة في خصوصيات الأم.

ان الحمل للمرة الأولى مربك للأم, لذلك اقدم لها بعض النصائح التي تساعدها في مغامرتها الرائعة هذه:

أولاً- اهتمي بصحة جسدك بشكل مميز, وذلك بالامتناع عن التدخين وتعاطي الكحول وكل ما يمكن ان يسبب لك وللمولود الجديد الضرر. اضافة لاتباع نظام غذائي جيد يتضمن التنوع والاعتدال.

يجب أن تشمل وجباتك اليومية مجموعة متنوعة من الأطعمة من مجموعات الغذاء الرئيسية الأربع التالية:

1-الفواكه والخضروات. يمكنك شراء الأنواع الطازجة أو المجمدة أو المعلبة أو المجففة أو العصائر. تناولي ما لا يقل عن خمس حصص يومياً.

2-الأطعمة النشوية. وهي الخبز والمعكرونة والأرز والبطاطا. اختاري الأنواع المصنوعة من الحبوب الكاملة.

3-الأطعمة الغنية بالبروتين. وهي اللحوم الخالية من الدهون, والدجاج والسمك والبيض والبقوليات (الفاصوليا والعدس). حاولي تناول ما لا يقل عن حصتين من السمك أسبوعياً، بما فيها الأسماك الزيتية.

3-منتجات الألبان. وهي الحليب (اللبن) والجبن والزبادي أو اللبن الرائب، وتحتوي على الكالسيوم. تعتبر منتجات الألبان، بالإضافة إلى أسماك البحر وملح البحر، من المصادر الجيدة لليود. وانت تحتاجين إلى الكثير من اليود في نظامك الغذائي لمساعدة طفلك على النمو والتطور.

وتذكري أنك لن تحتاجي إلى مزيد من السعرات أو الوحدات الحرارية خلال الستة أشهر الأولى من الحمل. بعدها، ستكتفين فقط بحوالي 200 سعرة حرارية إضافية يومياً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. ليكون إجمالي ما تستهلكينه من السعرات الحرارية يومياً بحدود (2500) سعراً حرارياً.

وإليك ما يعادل 200 سعرة حرارية:

-شريحة من الخبز الأسمر المحمص مع علبة صغيرة من الفول المطهو.

-خبز عربي صغير محمّص مع ملعقتين كبيرتين من الحمص قليل الدسم.

-شريحة من رغيف الشعير أو كعكة صغيرة بالفاكهة مع الزبدة أو طعام قابل للدهن.

-خبز محمص محشو بشريحة واحدة من الجبن.

إن أفضل قاعدة تضعينها في بالك هي تناول الطعام عند الشعور بالجوع. تناولي غذاء متوازناً كل يوم وستكتسبين وزناً بمعدل معقول بينما ينمو طفلك ويكبر.

وتذكري, حتى لو لم تشعري بالجوع، قد يكون طفلك جائعاً، لذا حاولي الأكل بشكل منتظم. وهكذا تناولي ثلاث وجبات رئيسية, تتخللها وجبتان إلى ثلاث وجبات صحية خفيفة. وإذا كان الغثيان الصباحي (أو طيلة اليوم)، أو عدم الرغبة في الطعام، أو حرقة فم المعدة، أو عسر الهضم, يجعل من تناول الطعام مهمة روتينية مزعجة، فحاولي تناول وجبات صغيرة وكثيرة. قد تجدين أن الحل الأسهل في تناول خمس أو ست وجبات صغيرة بدل الوجبات الثلاث الرئيسة.

وإذا كنت لاتشعرين بالشبع فتناولي الأطعمة الغنية بالألياف والمصنوعة من الحبوب الكاملة.

الأطعمة غير الآمنة: من بين الأطعمة التي تتناولينها هناك أطعمة يمكن ألا تكون آمنة لطفلك، لذا عليك تجنبها خلال فترة الحمل وهي:

-الجبنة البلدية البيضاء أو المتعفنة أو المعتقة أو والزرقاء أو الطرية العفنة المائلة إلى الزرقة. قد تحتوي جميع هذه الأنواع على الليستيريا، وهي بكتيريا يمكن أن تؤذي طفلك.

-الأطعمة النيئة أو غير المطهوة جيداً، مثل اللحوم والبيض. يمكن أن تكون جميعها مصدر بكتيريا ضارة بالجنين. عندما تطهين اللحم والبيض، احرصي على أن ينضجا جيداً.

-المأكولات البحرية غير المطهوة، مثل المحار أو السوشي غير المجمد قبل صنعه.

-تحتوي أسماك القرش، وأبو سيف، والمرلين أو الراموح على مستويات غير آمنة من الزئبق الطبيعي. كما تحتوي التونة على الزئبق، لذا لا تأكلي أكثر من أربع علب تونة متوسطة الحجم أو قطعتي تونة طازجة في الأسبوع الواحد.

-ابتعدي عن الكبدة ومشتقاتها، مثل نقانق الكبدة لاحتمال احتوائها على كميات كبيرة من ريتينول الفيتامين أ، والذي قد يضر الإكثار منه بتطور الجنين.

-يستحسن التقيد بما لا يتجاوز 200 ملغرام من الكافيين في اليوم. أي ما يعادل كوبان من القهوة السريعة، أو أربعة فناجين من الشاي، أو خمس علب من الكولا يومياً. يمكنك التحول نحو المشروبات الساخنة والكوكا كولا الخاليين من الكافيين بدلاً من ذلك.

الفيتامينات:

ينصح الأطباء عادة بأخذ نوعين من الفيتامينات المكملة التي تعتبر هامة أثناء الحمل:

1- (0.4 ملغ) من حمض الفوليك على شكل أقراص يومياً خلال الأسابيع 12 الأولى من الحمل. لتخفيض مخاطر تشوهات الانبوب العصبي. ويمكن الحصول على حمض الفوليك من بعض الاطعمة مثل الخضراوات ذات الاوراق الغامقة, والموز, والبندورة.

2- (10 مايكروغرام) من الفيتامين د يومياً طوال فترة حملك.

- في وقت لاحق من الحمل، قد تحتاجين إلى أخذ أقراص الحديد لأجل الانسجة التي تنمو ولأجل تخزين الحديد داخل جسم طفلك. ان الحديد ضروري لتشكيل (الهيموغلوبين), ونقصه يجعل الام تشعر بالتعب الشديد. وعادة تناول (30 ملغ) منه يلبي حاجة غالبية النساء الحوامل.

- فيتامين (ب6) الذى يخفف من حدة الغثيان كما أنه يقي من تشوهات القناة العصبية للجنين (عدم اكتمال الفقرات القطنية - Spina bifida)

- يعتبر الكالسيوم هاماً أيضاً أثناء فترة الحمل، وينبغي ان يكون مقدار ما تتناوله المرأة الحامل يوميا (1000ملغ) خلال سنوات الانجاب والولادة. لكن هذه الكمية يجب ان تزداد لتصبح (1200- 1500 ملغ) يوميا اثناء فترة الحمل بسبب تكون هيكل عظمي جديد. وتستطيع الام الحصول على الكميات الاضافية من الكالسيوم من خلال تناولها الألبان والأجبان.

أمّا بالنسبة للوزن فينبغي على الأم ان تعلم ان السمنة أو البدانة خطر كبير على صحتها, وخاصة بالنسبة للمصابين بارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري.

إضافة إلى أن السمنة تزيد من الآلام والأوجاع في الجزء السفلي من الظهر ولا سيما في المراحل الأخيرة من الحمل إذ تصبح غير محتملة. لذلك على الأم أن يكون لديها وزن مستقر قبل الحمل يساعدها على منع اكتساب سريع للوزن بعد ان تبدأ فترة الحمل.

تعتبر الحميات الغذائية (الريجيم والدايت) خلال فترة الحمل مصدر خطر عليك وعلى تطور طفلك. إذ تفتقر بعض الحميات إلى الحديد، وحمض الفوليك، وغيرهما الكثير من الفيتامينات والمعادن الهامة. تذكري دائماً أن زيادة الوزن من المؤشرات الإيجابية للحمل الصحي.

يستحسن عادة اكتساب الوزن بشكل تدريجي. قد يكون معدل زيادة وزنك أثناء فترة الحمل ما بين 10 و12 كيلوغراماً.

ثانياً- الرياضة: مع التغيرات الكثيرة التي تطرأ على الأم الحامل ينبغي عليها ان تمارس الرياضة الخفيفة بشكل منتظم وأفضلها رياضة المشي.

ثالثاً- المرض: في حالة المرض لا تستخدمي اي نوع من الادوية دون استشارة الطبيب. وعادة ما تعتبر مسكنات الالم مثل (panadol ) و (Tylenol) آمنة ولا تشكل خطرا على الام وعلى الطفل أثناء الحمل عندما تُستخدم بالمقدار الموصَ به من الطبيب.

أمّا أقراص منع الاحتقان ومضادات الهستامين وشراب السعال ورذاذ الانف فأغلبها لاخطر منها أثناء فترة الحمل إذا ما تم تناول الجرعات حسب ارشاد الطبيب.

أمّا مضادات الحموضة فتعتبر أيضا آمنة ولا خطر منها أثناء الحمل إذا ما تم تناولها حسب ارشادات الطبيب.

وأخيرا ينبغي على الأم التقليل ما أمكن من تعريض نفسها وطفلها للأشعة السينية, وعلى الأقل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.

رابعاً-ولأن العلاقة الزوجية علاقة متكاملة فللزوج دوراً هاماً. فبينما تتقدم زوجته في مراحل حملها, تعاني تغيرات جسدية هامة تؤثر على طاقتها وشهيتها ومزاجها. فقد تشعر بالتعب في أي وقت كان, وبالغثيان, وعدم الرشاقة, وبالصعوبة في التحرك, وبأنها غير جذابة, إضافة إلى الكآبة. كل هذا وغيره يرتب على الزوج مسؤولية تجاه زوجته لمساعدتها في مرحلة الحمل والولادة, وذلك بأن يمكّن لها المحبة والمودة, فلا يكلّمها بما يثير مشاعرها المتقلبة أصلاً. ويساعدها في اعمال المنزل, وفي رياضتها, ويكثر من الجلوس معها, ويؤمن لها الدعم الروحي الذي يتمثل بالصلاة معها, وبقراءة الكتاب المقدس لها.

بقلم نبيل سمعان يعقوب