الجواب: قصة الملك شاول وعَرَّافة عَيْنِ دُور وردت في (1صموئيل28: 5-19).
الذين يؤيدون ظهورات القديسين الأموات للناس يقولون, هذا شاهد من العهد القديم. ويدافعون عن رأيهم بأن هذه الروح هي روح صموئيل فعلا وذلك بالحجج التالية:
1- صراخ المرأة بصوت عظيم, فقالوا ان هذا يدل على أنها رأت شيئاً لم تتعوده, فهي تعودت على شياطينها. لكن هنا رأت روح صموئيل النبي.
الرد: لاحظ النص الكتابي " فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ, وَقَالَتِ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلُ؟". إذاً لم يكن سبب هلعها وخوفها روح صموئيل الذي رأته, لأنها أصلاً تستحضر روح صموئيل, بل اكتشاف حقيقة من يكلمها, أي شاول الذي أمر بقتل كل صاحب جان, فخشيت على نفسها.... أما معرفتها لاسم شاول فقد دلها عليه شياطينها.
2- قولها آلهة على صموئيل,,, فما رأتهُ كان عجيب عليها,,, أي يختلف عن الشياطين الذين اعتادتهم.
الرد: تطلق كلمة آلهة في بعض الأحيان على القضاة, على سبيل الاحترام والتوقير, كما ورد في المزمور 82 " أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ". (مز82: 6). وبالتالي ليس هناك من أمر عجيب في ما رأت, فصموئيل معروف عنه انه قاض لإسرائيل. وإضافة لذلك وردت الآية في الترجمة التفسيرية كالتالي: "13 فقال لها: «لا تخافي. ماذا رأيت؟» فأجابت: «رأيت طيفا صاعدا من الأرض»" هنا كلمة آلهة ترجمت أيضاً طيفاً. إذا هي لم ترى شيئاً مميزاً.
3- قول صموئيل لشاول "لماذا أقلقتني بإصعادك إياي".
الرد: لو كان الكلام صحيحاً, أي أن المتكلم هو صموئيل, فهذا يعني أن العرّافة لها سلطان على أرواح الأموات القديسين. وهذا مستحيل, فمفاتيح الهاوية والموت ليست بيد أي كائن إنها بيد الرب.
4- كل ما قاله صموئيل كنبوة قد حدث, وواضح أنه إنذار أخير لشاول لعلّه يتوب.
الرد: هذه النبوات لا تحتاج لذكاء فالروح يعرف قوة جيش الفلسطينيين وضعف جيش شاول وأن معركة شاول خاسرة وأن الفلسطينيين لن يهدأوا إلاّ لو تخلصوا من شاول. فلا جديد.
5- النص يحدد انه صموئيل, إذ يقول الكتاب بوضوح " فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ" فالكتاب وليس المرأة,, هو من يشهد أن الروح روح صموئيل.
وقطعاً لم يَحضر صموئيل بأوامر صاحبة الجان بل بسماح من الله ليعطي درساً أخيراً لشاول لعله يتوب وليوبخه على ما صنعه إذ لجأ للجان عوضاً عن اللجوء لله بالتوبة.
الرد: كلمات الروح لشاول ليس فيها دعوة للتوبة والتصالح مع الله, بل الروح وضع شاول في حالة يأس خطيرة... والنص لا يؤكد ان الروح روح صموئيل, بل يقول, رأت المرأة صموئيل,,, أما الملك شاول فلم يرى شيئاً على الإطلاق.
فهل هو روح ظهر بشكل صموئيل للعرافة,,, أو انه صموئيل حقيقة,,, لنفترض ان النص غير واضح,,, لكن لو قرأنا النص في ضوء تعاليم الكتاب المقدس, الذي ينفي مثل هذه الأمور,, لجزمنا انه لا يتحدث عن صموئيل,, بل عن روح تشبه صموئيل. فالمشهد هو خداع شيطاني,, حيث الشيطان يغير شكله إلى ملاك نور.
**** أما الذين لا يؤيدون ظهورات القديسين الأموات للناس فيقولون, أن هذه الروح ليست روح صموئيل بل روح شرير, ويؤيدون ذلك بالحجج التالية:
1- إن كان الله قد رفض ان يكلم شاول فلماذا يغير رأيه,, والمعروف عن الله ان كلامه غير قابل للتبديل.
2- طالما ان الله رفض أن يكلم الملك شاول عن طريق الأنبياء والأحلام وأي طريق آخر, فلماذا يكلمه عن طريق عرّافة محكوم عليها بحسب شريعته بالموت, هل يستوي هذا مع المنطق, أبداً.
لقد منع الله اللجوء للعَرَافة وأصحاب الجان والتوابع,, فكيف يخالف مشيئته من جهة هذا الأمر. لاحظ كيف يتساءل الله في إشعياء قائلاً: "وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ: «اطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ التَّوَابِعِ وَالْعَرَّافِينَ الْمُشَقْشِقِينَ وَالْهَامِسِينَ»(أي إذا قالوا لكم أطلبوا الآيات والمعجزات من السحرة والعرافين). أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلَهَهُ؟ (أي قولوا لهم أليس على الشعب أن يسأل إلهه) (قال) أَيُسْأَلُ الْمَوْتَى لأَجْلِ الأَحْيَاءِ؟" (اش8: 19). طبعا لا يُسأل الموتى, ومن المستحيل أن يسمح الله أن تحدث قصة في الكتاب تنقض كلامه.
3- لاحظ قول شاول للعرافة: "13 فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «لاَ تَخَافِي. فَمَاذَا رَأَيْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: «رَأَيْتُ آلِهَةً يَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ»." وفي العدد الذي يليه: " 14 فَقَالَ لَهَا: «مَا هِيَ صُورَتُهُ؟» فَقَالَتْ: «رَجُلٌ شَيْخٌ صَاعِدٌ (من الأرض) وَهُوَ مُغَطًّى بِجُبَّةٍ». فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ, فَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ." والسؤال؟ هل المفروض ان صموئيل يصعد من الأرض أم يأتي من السماء. لكن الذي صعد من الأرض هو روح شرير.
ومع ذلك يقول البعض صحيح لا يمكن لأي عرَّافة استدعاء روح قديس قد مات, لكن هذه القصة استثناء. ولماذا استثناء.. لتبرير وجهة نظرهم, أو لتأكيد حجتهم.
إن الاستثناء في أي قصة إن وجد,, ينفي موضوع الشمولية. فالقول: لا يمكن لأي عرافّة,,, ثم القول: باستثناء,,, هو قول متناقض, أو بتعبير آخر (مغالطة منطقية), وتدعى هذه المغالطة, (a special pleading fallacy), أي مغالطة الاستثناء الخاص. المغالطة التي فيها نعطي استثناء خاص غير مبرر,, لحجة معينة في حوارنا حتى يبدو الحوار ناجح, كأن نقول مثلاً:
كل شيء موجود له مسبب- الكون موجود اذا ينبغي ان يكون له مسبب- وهذا المسبب هو الله- ويأتي السؤال: طيب اذا كل شيء له مسبب من سبب الله, فيكون الجواب نعم لكل شيء مسبب باستثناء الله. طيب لماذا؟ لا جواب,, إذا وُضِعَ الاستثناء غير المبرر,, فقط,, ليساعد في بناء الحجة. فالحجة غير صحيحة لأن الاستثناء غير مبرر.
إذا إما أن نقول, لا يوجد ظهور لقديسين في كل العهد القديم. وقصة شاول مع صموئيل ليست استثناء. فتكون الحجة منطقية.
أو نقول لا يوجد ظهور لقديسين في كل العهد القديم. باستثناء قصة شاول مع صموئيل, فنقع في مغالطة الاستثناء الخاص. وتكون الحجة مرفوضة لأنها غير منطقية.
4- لاحظ قول صموئيل لشاول: " 15 فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ؟» " ماذا نفهم من هذه العبارة؟ هل الله هو الذي ارسل صموئيل ام العرافة أصعدته بناء على طلب شاول. وفي العدد 21 تأكيد لنفس الفكرة حيث تقول المرأة لشاول: "«هُوَذَا قَدْ سَمِعَتْ جَارِيَتُكَ لِصَوْتِكَ فَوَضَعْتُ نَفْسِي فِي كَفِّي وَسَمِعْتُ لِكَلاَمِكَ الَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ." أو كما جاء في ترجمة الحياة" «ها قد سمعت جاريتك لصوتك، وحملت روحي في كفي واستجبت لكل ما طلبته مني." هذا تأكيد واضح من العرافة لشاول إنها هي من استحضر روح صموئيل.
5- وأخيراً, تكلم الكتاب المقدس عن هذه الحادثة في مكان آخر فقال: "فَمَاتَ شَاوُلُ بِخِيَانَتِهِ الَّتِي بِهَا خَانَ الرَّبَّ مِنْ أَجْلِ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْهُ. وَأَيْضاً لأَجْلِ طَلَبِهِ إِلَى الْجَانِّ لِلسُّؤَالِ" (1اخ10: 13) أي لجأ شاول للجان وليس لصموئيل, فشاول لم يسأل صموئيل بل سأل جاناً. هذا بشهادة الكتاب نفسه.
القس نبيل سمعان يعقوب