ليلة يوسف الأولى بعد ان باعه اخوته
لست أعتقد أن هناك قصة خيالية أروع أو أجمل من القصة التي كتبها "أ. هيل" في كتابه "عيد الميلاد في قصر... وقد كتب هذه القصة تحت عنوان "الأيدي المرفوعة"، وهي عن الليلة الأولى في حياة يوسف، بعد أن باعه إخوته وأخذته قافلة الاسماعيليين لتذهب به إلى مصر، وإذ حطت القافلة رحالها في الليلة الأولى، ونام الجميع، واستولى عليهم سبات عميق، استيقظ يوسف في منتصف الليل ليجد الكل نياماً، ويجد فرصة واسعة في الهروب، فتسلل، وهم أن يصل إلى باب الخروج، وكاد أن يفلت، لولا أن كلباً أصفر ضخماً أخذ ينبح نباحاً عالياً،.. وفزع يوسف ورفع عينيه إلى السماء، يطلب معونة الله في إسكات الكلب،.. وقد تحرك أحد الملائكة، وأراد أن ينزل ليقتل الكلب، ويطلق سراح الشاب التقي المظلوم، لولا أن أمراً إلهياً منعه، واستيقظ الحارس ليضرب يوسف، ويقيده، ويمنعه من الهروب، وإذ عجب الملاك من المنع الإلهي،.. صور له الله ما كان يمكن ان يكون، لو تمكن يوسف من الهرب!
انه سيعود إلى بيت أبيه، حيث يستقبله بترنم وفرح،.. غير أن المجاعة لا تلبث أن تحل، وليس هناك يوسف الذي يتأهب لمواجهتها، وإذا بمصر وفلسطين تجوعان، ويموت خلق كثير، ويضعف الباقون ويتعرضون لهجمات الحثيين الوحشية، وإذا بالحضارة تُدَّمر، ومصر تنتهي، وتتحول روما واليونان إلى البربرية الكاملة، ويهلك العالم كله، ولا نسمع عن إسرائيل ويهوذا والملوك والأنبياء، وبالتالي لا يأتي المسيح مخلص العالم!!. وما من شك بأن القصة غارقة في الخيال، ولكنها تؤكد الحقيقة الدائمة الصادقة: إن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده، وترينا أن الظروف التي يجتازها الإنسان بحلوها ومرها، وسجنها ومجدها، ليست إلا السبيل المؤهل لإتمام رسالته في الأرض،.. وهذا ما ذكره يوسف في قوله لإخوته: "أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعباً غفيراً"..