أَمَّا أَنَا فَفِي مَرَضِهِمْ كَانَ لِبَاسِي مِسْحًا. أَذْلَلْتُ بِالصَّوْمِ نَفْسِي، وَصَلاَتِي إِلَى حِضْنِي تَرْجعُ
ضجت المحكمة بأصوات المطالبين بتسريع المحاكمة لأن وقتهم ضيق واشغالهم كثيرة، ولما لا؟ فهم من رجال الاعمال في ذاك الزمان. فهذا يصرخ للقاضي أن: استعجل بالقضية إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلاً، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ!
ومن زاوية أخرى أحدهم وبأعلى صوته يقول: ليس لدي وقت! إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا!
علت أصواتهم في القاعة مؤيدة وهم يشتكون قائلين:" «اشْتَكُوا، فَنَشْتَكِيَ عَلَيْهِ»!
أما هو، فلم يشكو ولا مرة خلال الثلاث سنوات ونيف أثناء خدمته إياهم من ان رُكْبَتَايَ ارْتَعَشَتَا مِنَ الصَّوْمِ، وَلَحْمِي هُزِلَ عَنْ سِمَنٍ. أو أن قدمه قد تورمت من كثرة ما جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ.
لم يتأفف ولم يتذمر ولا مرة من ضخامة المهمة الملقاة على عاتقه، فالهدف كان عظيما: أن يستعيد أبنائه مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ. ولهذا قطع مسافة حوالي 40,000 كم خلال حياته القصيرة سيرا على الاقدام! أي كأنه دار الأرض كلها على محور خط الاستواء جيئة وذهابا في هذه البقعة الصغيرة من العالم!
خلال تجواله كان يطوف القرى والمدن وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ. يجذبهم بحبال البشر بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ وهم بكل استهزاء يردون: مَا هذِهِ الْمَشَقَّةُ؟
كان يناديهم كأب حنون بأن: اِرْجِعْ يَا إِسْرَائِيلُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ، لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ.
ماذا كان جوابهم: لاَ نَصْغَى! يا لجفائكم وغبائكم. كم من مرة أراد ان يجمعكم تحت جناحه وأنتم لم تريدوا؟ «صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَةُ!
اجتمع شيوخهم على انفراد في قاعة المحكمة ليتخذوا تدابير يعجلون بها لإلصاق تهمة ما به وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. وتقدم اليه أحكمهم وسأله باستنكار: هل أنت هو؟ «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟»
يتبع..>
فادي سمعان يعقوب