الإيمان والأعمال
"وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟" يعقوب 2: 20
قد يبدو لنا عند قراءة هذه الآية للوهلة الأولى أن الرسول يعقوب يعلّم عن أن الأعمال ضرورية ولازمة للخلاص وأن الإيمان وحده غير كاف وكأنه جسد بلا روح ، ولكن السؤال هو عن أي نوع من الإيمان يتكلم؟ وأي نوع من الأعمال التي تنتج عنه؟
يوضح لنا الكتاب المقدس جلياً أن الله أنعم علينا بالخلاص :" لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ." الله - تبارك اسمه - يبرر الإنسان بالإيمان كما بّررأبانا إبراهيم بالإيمان عندما وعده الله بنسل كنجوم السماء في الكثرة ولم يكن له قوة عندها على إنشاء نسل " فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا." وبعدها برهن إبراهيم بشكل فعلي على إيمانه بالله عندما : بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ.فإذن الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ،
فإذن الذي سَبَقَ الأعمال : هو الإيمان الذي تبين ثمره فيما بعد بالأعمال ، كما لنا أيضا في المثال الذي يذكره الكتاب المقدس عن رَاحَابُ الزَّانِيَةُ أنها : أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ ؟ أية أعمال يقصدها الرسول وهي اسمها راحاب الزانية؟ إنها ، كما يخبرنا الكتاب، الأعمال التي سبقها إيمانها بالله والتي تمثلت في أنها قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيق آخَرَ؟ واذا قرأنا القصة نفسها في يشوع الإصحاح الثاني لعرفنا أن راحاب سبق وأخبرت الرسل الذين أرسلهم يشوع وَقَالَتْ لِلرَّجُلَيْنِ: «عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ،............. سَمِعْنَا فَذَابَتْ قُلُوبُنَا وَلَمْ تَبْقَ بَعْدُ رُوحٌ فِي إِنْسَانٍ بِسَبَبِكُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ اللهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فالإيمان هنا أيضا سبق الأعمال .
لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ:«أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي.
كيف ذلك ؟
إن الله يعلم قلوب الجميع : أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى ، إنهُ يَعلم المؤمن الحقيقي من الإسمي، «يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ». أما بالنسبة لنا نحن كأشخاص فكيف يمكن أن يرى العالم إيماننا ؟ كيف يمكن أن يميزنا كمؤمنين ؟ أليس من خلال ما نُظهره من أعمال ؟ إننا نتأكد من وجود البذرة تحت الأرض من خلال الثمرة التي تتكشف لنا فوقها بأبهى حُلّة وتخبرنا عن نوعية البذرة الجيدة التي أخرجتها للوجود وألبستها كل هذا الجمال . فبدون هذه البذرة لا يوجد ثمرة، وهكذا أيها الإنسان إن كنت تدّعي أنك مؤمن ، فأظهر لنا إيمانك من خلال أعمالك وإلا فكلامك مجرد إدعاء لا أساس له من الصحة لأننا كبشر ليس بإمكاننا معرفة خفيات قلبك بل نقرأ فقط الظاهرمنك، فأنت لا تستطيع أن تقنعني بإيمانك من خلاك أقوالك فقط أو حملك للكتاب المقدس أو وضعه على طاولة في مكان مكشوف في بيتك بل أريد أن أقرأ إيمانك في سلوكك وعملك وأن لا تكون، كما يقول الكتاب عن البعض، يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ.
فإذن الإيمان هو أساس تبريرنا وخلاصنا وليس أعمالنا لأنه إن كنا بالأعمال نستطيع أن نخلص فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ! إن أعمالنا كما يقول الكتاب: وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا ، ولكن شكراً لله لأنه قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، وهذه النعمة تجلت في شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ ، فَإِنْ كَانَ الخلاص والتبرير بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلاً ، لأن مبدأ النعمة والأعمال مبدآن متناقضان ، فالنعمة هي هبه ، عطية من الله لمن لا يستحقها ، أما مبدأ الأعمال فهو مبدأ استحقاق ، يعمل فيأخذ أجرة ، لذلك لا يمكن أن يلتقي المبدآن مع بعضهما، لذلك نرنم من أعماق قلوبنا : فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ،
لذلك إفرح أيها المؤمن لأن خطاياك قد غفرها دم المسيح ، إفرح لأن دخولك الى السماء مجاني على حساب النعمة ، تهلل لأن اسمك قد كُتب في سفر الحياة لحظة إيمانك بدم الحمل ، إفرح لأن ايمانك الحقيقي سيأتي بثمر ثلاثون وستون ومائة من أعمال صلاح وبر ورحمة وخير، إفرح لأنه لا دينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة رجل ولا من مشيئة جسد بل من الله ، إفرح لأنك وارث لنعمة الحياة، تهلل لأنك من رعية بيت الله .
الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ!
الأخت فاديا يعقوب