كيفيّة الخَلق

أولاً – الأصل مخلوق في حالة البلوغ والكمال

وهذا يعني أن آدم لم يُخلق طفلٌ ضعيفٌ أو عاجزٌ يحتاج لمن يرعاه و يهتم به. إنّه من البدء كان قادراً على خدمة نفسه وتدبير أموره. والكتاب المقدس يؤكد لنا أن آدم خُلق كاملاً في جسده وروحه وإمكانياته العقلية. ومنذ البدء كان لديه لغة يتكلم بها

*(..وقال لهم أَثمروا واكثُروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلَّطوا على سمك البحر وعلى طير السَّماء وعلى كلِّ حيوانٍ يَدِبُّ على الأرض) تكوين1: 28

*(وأخذ الرَّبُّ الإله آدم ووضعه في جنَّة عدنٍ ليعملها ويحفظها. وأوصى الرَّبُّ الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنَّة تأكل أَكلاً. وأمَّا شجرة معرفة الخير والشَّرِّ فلا تأكل منها. لأنَّك يوم تأكلُ منها موتاً تموتُ) تكوين2: 15- 17

*(وجبلَ الربُّ الإله من الأرض كلَّ حيوانات البرّيّة وكلَّ طيور السماء. فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها. وكلُّ ما دعا به آدم ذاتَ نفسٍ حيَّةٍ فهو اسمها فدعا آدم بأَسماء جميع البهائم وطيورَ السَّماء وجميع حيوانات البرّيّة. وأمَّا لنفسه فلم يجد معيناً نظيره) تكوين2: 19-20

*(فأوقع الرَّبُّ الإله سُباتاً على آدم فَنام. فأخذ واحدةً من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرَّبُ الإله الضِلع التي أخذها من آدم امرأةً وأحضرها إلى آدم...وكانا كلاهما عُريانين آدم وامرأتهُ وهما لا يخجلان.) تكوين2: 21- 25

ثانياً – الأصل مخلوق على صورة الله وشبهه

عندما خلق الله النبات قال (لِتُنبت الأرض عُشباً)(تكوين1: 11), وعندما خلق الزحافات قال (لِتِفِضِ المياه زحَّافاتٍ)(تكوين1: 20), وعندما خلق الطيور قال (وليطرْ طيرٌ فوق الأرض)(تكوين1: 20), وعندما خلق البهائم قال (لِتُخرجِ الأرض ذواتِ أنفُس حيَّةٍ)(تكوين1: 24). لكن عندما خلق الإنسان اختلف الأمر كثيراً

(وجبلَ (yaw-tsar') الرَّبُّ الإله آدم تراباً من الأرض. ونفخَ (naw-fakh') في أَنفه نسمةَ (nesh-aw-maw') حياة (khah'ee). فصار آدم نَفساً (neh'-fesh) حيَّة(khah'ee)) تكوين2: 7

ملاحظات على الآية:

1-يقول ديريك كدنر: إن كلمة (جَبلَ) هي تعبير عن علاقة الصانع بمادة الصناعة, بما تحويه هذه العلاقة من مهارة وسيادة.. أما كلمة (نَفخَ) فتدل على علاقة شخصيّة حارة.

2-يمكن ان تترجم عبارة (neh'-fesh) بحسب قاموس Strongالى ( مخلوقاً حياً) بدل (نفساً حية).

3- يمكن أن تُفسّر الحياة هنا بعدة أمور:

         1- الحياة الطبيعية ( الجسدية), تكوين2: 7+ لوقا16: 25.

         2- الخلود, عبرانيين7: 16

         3- الحياة الأبدية, متى19: 16

         4- الحياة التي مصدرها يسوع أو الله, يوحنا5: 26+ 11: 25.

         5- سلوك, رومية6: 4.

4-إن العبارة (نفخ في أنفه نسمة حياة) لا تدل على أن نفس الإنسان البشرية انبثقت من الله, لأن هذا يعني إن الجوهر الإلهي قابل للانقسام والتجزؤ, وهذا مرفوض. لكنها تدل على إعطاء الله للإنسان طبيعة روحية غير طبيعته المادية, وقد تم ذلك بطريقة مميزة عن بقية الكائنات الحية ليسمو عنها, أمّا عن كونه (نَفساً حيَّة) فلا يعني شيئاً, لأن الحيوانات أيضاً هي ذات نَفس حيَّة (وقال الله لتفض المياه زحَّافات ذات نَفس حيَّة...) تكوين1: 20 , (وقال الله لتُخرجِ الأرضُ ذواتِ أَنفُس حيَّة...) تكوين 1: 24 .

إذاً المقارنة بين طريقتي الخلق, تبين سمو الإنسان عن الحيوان, وذلك من خلال الطريقة التي مُنح فيها الإنسان الحياة, لا من خلال كونه نَفس حية.

وهكذا خَلق الله الإنسان بطريقة مختلفة عن بقية الكائنات, ليكون بينه وبينها علاقة شخصيَّة مميزة. لذلك قيل عن الإنسان إنه مخلوق على صورة الله وشبهه. فماذا تحمل هذه العبارة من معاني:

إن الكلمتين (صورة) و(شبه), ربما هما توازياً عبرانياً, فإن صح ذلك لا يكون هناك فرق في معنى الكلمتين, ويؤكد قاموس Strong هذا الأمر كما سنرى بعد قليل. والآن بافتراض عدم وجود مثل هذا الفرق يكون معنى الصورة بحسب القرينة:

• ·تكوين1: 26- 27 (وقال الله نعمل الإنسان على صُورتنا كَشَبَهِنا. فيتسلَّطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كلِّ الأرض وعلى جميع الدبَّابات التي تدبُّ على الأرض). الصورة هنا تعكس مفهوم سيادة الله على الخليقة, لذلك قيل للإنسان (أَثمروا واكثُروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلَّطوا على سمك البحر وعلى طير السَّماء وعلى كلِّ حيوان يدبُّ على الأرض) تكوين1: 28.
• ·تكوين9: 6 (سافكُ دمِ الإنسان بالإنسان يُسفك دمُه. لأنَّ الله على صورته عملَ الإنسانَ) الصورة هنا تعكس مفهوم عظمة الخالق و فرادته, ومن هنا جاء التأكيد على سفك دم القاتل, لأنه لا يوجد بديل يُدفع كفارة عن القتيل, سوى دم القاتل نفسه.
• ·رومية8: 29 (لأنَّ الَّذين سَبقَ فعرفهم سبق فعيَّنهم ليكونوا مُشابهين صورة ابنهِ ليكون هو بِكراً بين إخوة كثيرينَ). الصورة هنا تعكس أمرين: الأول الكمال الأدبي للمسيح. والثاني جسده الممجد.
• ·1كورنثوس11: 7 (فإنَّ الرَّجل لا ينبغي أن يغطّي رأسه لكونه صورة الله ومجدَه..) الصورة هنا تعكس مجد الله أو سيادته. وبتعبير آخر, الرجل أُقيم على الأرض كممثل لله ليمارس السلطان عليها.
• ·2كورنثوس3: 18 (ونحن جميعاً (كمؤمنين) ناظرين مجد الرّبِّ (يسوع) بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيَّرُ إلى تلك الصُّورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرَّبِّ الرُّوح). الصورة هنا تعكس مجد يسوع الأدبي أو كماله الأدبي.
• ·أفسس4: 24 (وتَلبسُوا الإنسان الجديد المخلوق بحسبِ الله في البرِّ وقداسة الحقِّ) الصورة هنا تعكس مفهوم بر الله وقداسته أو بتعبير آخر فإن صورة الله تظهر في أخلاق الإنسان
• ·كولوسي3: 10 (ولبِستم الجديد الَّذي يتجدَّدُ للمعرفة حسب صورة خالقه) الصورة هنا تعكس مفهوم المعرفة الإلهية, أو بتعبير آخر, فإن المؤمن ينمو في المعرفة التي موضوعها الله.

v  خلاصة:

عندما يقول الكتاب المقدَّس إن الإنسان مخلوق على صورة الله أو شبهه, يعني بهذا أنه مخلوق بطريقة فريدة ومميزة عن بقية الكائنات. فهو كائن يتسم بالسيادة, والفرادة, والكمال الأدبي (البر والقداسة والحق الخ..).

إنه امتياز عظيم للإنسان أن يكون مخلوقاً على صورة الله. فيا ليته يحافظ على هذا الامتياز, لكي يبقى في علاقة فريدة وشركة حميمة مع الله خالقه.

فإن كانت الغاية من هذا الشبه أن ندخل في علاقة مع الله. تكون النتيجة لهذا الشبه هي أن نعطي أنفسنا لله (فقدَّموا له ديناراً. فقال لهم لمن هذه الصُّورة والكتابة قالوا له لقيصر. فقال لهم أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله.) متى22: 19-20.

فكما أن الدينار الذي يحمل صورة قيصر هو ملك لقيصر, هكذا الإنسان الذي يحمل صورة الله هو ملك لله.

بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب