التبشير(خلاص النفوس)
(فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ.. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ) متى28: 19-20
(وَقَالَ لَهُمُ اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا) مرقس16: 15.
(وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ) مرقس16: 20.
إن البشارة شأن قديم, فقبل أن يبدأها الإنسان بدأها الله مع الإنسان فقد قيل عن الله إنه(سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ الأُمَمِ)غلاطية3: 8.
وعلى صفحات الكتاب المقدس في عهده القديم, نقرأ عن رجال الله الذين بشروا بشتى الأخبار التي حملوها من الله لأجل خلاص شعبهم.
أما في العهد الجديد فنقرأ عن الرب يسوع أنه (كَانَ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ وَيُبَشِّرُ) لوقا20: 1, وقيل عنه بروح النبوة (رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ) لوقا4: 18, ونقرأ عن الرسول بولس إن الرب قد أرسله ليبشر به بين الأمم (غلاطية1: 16), وإنه قال عن نفسه (إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ) 1كورنثوس9: 16.
كما نقرأ عن المؤمنين في الكنيسة الأولى (فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ) أعمال8: 4.
إن البشارة السارة لا يجب أن تُحتبس في القلب وإلا فقدت أهميتها, وهذا ما أدركته الكنيسة, فحملت من الرب أجمل الأخبار لكل الشعوب.
.
ومع أن البشارة يجب أن تنطلق بشكل ذاتي من الإنسان لكنها بالحقيقة وبسبب تكاسله واعتياده على تمييع الأمور وإضاعة مغزاها, جاءت الأوامر من الرب داعية إياه لحمل الخبر الطيب إلى المحتاجين اليائسين.
لذلك دعيت هذه البشارة التي حملتها الكنيسة من الرب إلى كل الشعوب بالمأمورية العظمى. وهذه المأمورية ليست للرسل فقط لكنها للجميع, وعلى كل كنيسة أن تجد الطريقة المناسبة لتنفيذها.
البعض من الكنائس يعتقد أن وجود مكان للعبادة كافٍ لجذب الناس الخطاة, بينما الوعظ فيما بعد يتكفل بتغيير حياتهم.
والبعض الآخر يعتقد أنه لا داعٍ للبشارة, لأن الله يعلم الذين له, ولابد أنهم سيخلصون بطريق أو بآخر, وبالتالي لا داعٍ أن تُتعب الكنيسة نفسها بالبحث عن الخراف الضالة.
والبعض الآخر أخذ الأمر على محمل الجد, فشمر عن سواعده وخرج إلى الشوارع والأزقة باحثاً عن العميان والجدع والعرج والزناة والفجار. باحثاً عن اليائسين الذين يصارعون مع الظروف وآلام الحياة دون طائل. باحثاً عن كل من ليس له رجاء بحياة أفضل لكي يقدم لهم رسالة المسيح السارة, ولسان حالهم لو كنا جميعاً مشغولين بالنفوس الهالكة التي مات المسيح لأجلها وعملنا بكل جد واجتهاد لربحها, أما كانت الآن ممالك العالم لربنا ومسيحه.
إن الكتاب المقدس يحتوي مثلاً صارخاً عن ضرورة الذهاب إلى العالم, وعدم التقاعس في نشر رسالة المسيح, أو إيجاد المبررات لنومنا على رسالة استلمناها من أناس خاطروا بحياتهم لدرجة الموت ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل.
هذا المثال هو الرسول بولس أعظم مبشر في زمانه بعد الرب يسوع المسيح. رجل لم يترك مناسبة إلا واستغلها ليقدم الرسالة للآخرين. في المجامع تكلم, في الشوارع تكلم, في المعابد الوثنية تكلم. حتى وهو في القيود والسلاسل أمام الحراس والولاة تكلم.
أُعطيت له الفرصة مراراً ليدافع عن نفسه لكنه قال (لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ) أعمال20: 24. كل وقت بالنسبة له ليس وقتا للراحة أو المنفعة الشخصية, لكنه وقت مقبول للكرازة والحديث عن الخلاص العتيد.
كان يكلم الآخرين بقوة لدرجة يظنون فيها أن مصيرهم الأبدي سيتقرر الآن. أغريباس الوالي أنصت له مندهشاً ثم قال(بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً) أعمال26: 28.
فيلكس الأمير الطماع استدعاه ليأخذ منه رشوة (أعمال24: 26.) ويطلق سراحه لكنّه لم يدافع عن نفسه لنوال البراءة بل تكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون فأرعب الأمير وهو أمامه مقيدٌ بالسلاسل.
إنه رجل كسيده لا يعرف المواربة ولا المهادنة, رجل يدرك أن الفرص لا تتكرر, ووقته ليس بطويل, والمطلوب منه أن يعمل مادام نهار. وتحت هذه القناعة قطع آلاف الكيلومترات من أورشليم إلى روما, عاكفاً على الكرازة في وقت مناسب وغير مناسب.
تكلم عن نفسه واصفاً الآلام التي قاساها من أجل البشارة وخدمة الإنجيل فقال (مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ. مَرَّةً رُجِمْتُ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ. لَيْلاً وَنَهَاراً قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. بِأَسْفَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. بِأَخْطَارِ سُيُولٍ. بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ. بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي. بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ. بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ. عَدَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ: التَّرَاكُمُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ. الاِهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ. مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟)2كورنثوس11: 24- 29, إنه كالطود الشامخ يقبل كل شيء بروح التحدي ولسان حاله (أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي) فيلبي4: 13.
بولس مثال حي, كغيره من رجال الله الذين وضعوا عيونهم على الهدف وساروا في الطريق دون أن يوقفهم شيء, حتى لو كان هذا الشيء هو الموت, لأنه (وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ).
إن الكتاب المقدس يحث كل كنيسة لتكون مرسلة ويضع أمامها ثلاثة طرق للتبشير:
- 1)بالاختبار: تكلم ببساطة وبدون أية إضافات أو تصنع, قل ماذا فعل الرب معك واترك الباقي لروح الله.
- 2)بالسلوك: عش بأمانة, فقط كما يحق لإنجيل المسيح.
- 3)بالإرشاد إلى الكنيسة: عندما التقى فيلبس بنثنائيل لم يعرف ماذا يقول له, كيف يكلمه, فقال له ببساطة (تعال وانظر) يوحنا1: 46, ثم أخذه إلى حيث يوجد الرب.
- 1)هذا أمر الرب (متى28: 19-20).
- 2)لأنه مطلوب أن يشهد كل فرد من الكنيسة عن عمل الرب في حياته (1كورنثوس9: 16.)
- 3)لكي تغلب الكنيسة العالم, ورئيس هذا العالم (رؤيا12: 11.).
وكل هذه الطرق تتم بالذهاب إلى الآخرين, وليس بانتظارهم للمجيء, لأن:
بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب