المحامي الواعظ تشارلز فِني (1792-1875)
وُلد "فِني" العام 1792 في بلدة "أدامز" بمقاطعة "جفرسون" في ولاية "نيويورك". وقد نشأ في بيت حُرِم من حياة الصّلاة والتّقوى، ولم يعرف شيئاً عن الحياة المسيحيّة إلاّ حينما ذهب لشراء نسخة من الكتاب المقدّس ليطّلع على الشّواهد الّتي وردت عن الشّريعة الموسويّة الّتي كان يدرسها كطالب قانون. وبينما كان يقرأ، سحرته كلمة الله بجاذبيّتها، فذهب إلى الكنيسة ليُناقش راعيها حول ما كان يذكره في مواعظه. حضر اجتماعات الصّلاة ولاحظ أنّ الصّلوات نفسها تتكرّر من أسبوع إلى أسبوع من دون أن تُستجاب، فتساءل عن سرّ هذا الأمر. ثمّ أصبح قائداّ للتّرنيم في الكنيسة، ولم يكن قد اختبر الإيمان بعد. وكان الرّاعي يخاف على الشّباب في كنيسته من أن يتأثّروا بفكر "فِني" وذكائه الحادّ، أو من أن يقودهم إلى الشّكّ.
اختبار التّجديد
كان "فِني" يقرأ كلمة الله بفاعليّة بحثاً عن مبادئ شريعة موسى، وكان من رأيه
.أنّ الكتاب المقدّس يجب هجره وتركه إن لم يكن صحيحاً. وبينما كان يسير في أحد الشّوارع استوقفه هذا الفكر: "إذا كنتَ تؤمن بأنّ الكتاب المقدّس صحيح فيجب عليك أن تصطلح مع الله حالاً". فذهب إلى غابة صغيرة ليُصلّي، وهناك تقابل مع الله الّذي تحدّث إليه عبر الآية: "فتطلُبونَني وتجِدونني إذْ تطلبونَني بكلّ قلوبكم" (إرميا 29: 13). فتمسّك بالوعد واحتفظ به في قلبه وساد عليه سلام عظيم. وفي تلك اللّيلة قضى وقته كلّه في الصّلاة في مكتبه، وظهر له الرّبّ يسوع في رؤيا، وعن هذا الاختبار يقول "فِني": "ولمّا رجِعت وجلست على مِقعَد بجوار المِدفأة، شعرتُ بالرّوح القدس يخترق جسدي وروحي بقوّة عظيمة. ولا يستطيع أحد أن يصف المحبّة العجيبة الّتي سكنت قلبي، وبكيت بصوت مُرتفع من الفرح والمحبّة مُعَبِّراً عن خفايا قلبي".
خدمته ووعظه
عرف "تشارلز فِني" أن الرّبّ قد دعاه إلى الكرازة بالإنجيل، وفي الحال بدأ يُعدّ نفسه. وفي سنة 1824 أُرسِل ليكون مُرسَلاً إلى الرّيف فسافر من قرية إلى قرية على ظهر حصانه، وكانت قوّة الرّوح القدس تبدو ظاهرة عليه في كلّ مكان يذهب إليه. وكانت مهمّته أن يَعِظ في القرى الّتي لم يكن فيها كنائس. وفي إحدى المرّات دعاه رجل مسنّ إلى الذّهاب إلى قريته، فلمّا ذهب وجد قاعة المدرسة مزدحمة بالنّاس فبدأ يعظهم عن دينونة الله على "سَدوم"، ويقول "فِني": "وبينما كنتُ أذكر هذه الحقائق ظهر الغضب على وجوه النّاس، وبدأ الرّجال ينظرون بعضهم إلى بعض كما لو كانوا يتوعّدونني بالعقاب، ولم أعرف ما الّذي أغاظهم، ولكنّ غضبهم كان يزداد حدّة كلّما تقدّمت في الكلام. قلتُ لهم إنّي أعرف أنّه ليس عندكم اجنماعات روحيّة ولي الحقّ في أن أستنتج أنّكم أشرار، ونبّرت على هذا الأمر بشدّة حتّى كاد قلبي يتمزّق. وظللت في هذه الحالة نحو ربع ساعة، وإذا بهدوء عجيب يسود، وبدأ المجتمعون يتساقطون من فوق مقاعدهم ويرتمون على الأرض في كلّ اتّجاه وهم يصرخون طالبين الرّحمة، ولو كان بيدي سيفان أضرب بهما يميناً ويساراً لما استطعت إسقاطهم بمثل السّرعة الّتي كانوا يتساقطون بها على الأرض. وتحوّلوا في الاجتماع إلى أشخاص راكعين على ركبهم أو مُنطَرحين على الأرض، وهذا كلّه في أقلّ من دقيقتَين". وقد اكتشف "فِني" لاحقاً سبب غضبهم في تلك اللّيلة، بعد أن عرف أنّ اسم قريتهم "سَدوم" واسم الرّجل المتقدّم في السّنّ الّذي دعاه "لوط".
كانت طرق "فِني" بسيطة ومباشرة وغير عاديّة. فكان إذا استدعته كنيسة ليعظ فيها، يطلب من أعضاء الكنيسة أن يُصلّوا معاً، وكان يقول لهم إنّ الله يستجيب الصّلاة حالاً إذا كانوا يستَوفون الشّروط المطلوبة، ولا يجب عليهم أن يقولوا إنّنا ننتظر الوقت المناسب بحسب إرادة الله، لأنّ وقت الله حاضر في كلّ حين. وكان الله يُعطيه دائماً عظات منطقيّة مُحدّدة المعالم، وكانت تُقدَّم بقوّة وتُبكِّت النّاس، وفي مرّات كثيرة يكون التّأثير قويّاً جدّاً وعميقاً لدرجة يحتاج فيها إلى أن يصرف الجموع ويطلب منهم الحضور في اليوم التّالي، الّذين كانوا يأتون بالمئات، وقد تجدّدت مدن بكاملها نتيجة خدمته.
نتائج خدمته
في العام 1830 حدثت نهضة عظيمة في مدينة "روشستر"، وقد قال عنها النّائب العامّ للإقليم بعد عدّة سنوات، إنّه بينما كان يُراجع سجلاّت الحوادث الإجراميّة في السّنوات الماضية، وجد أنّ المدينة، الّتي ازداد عدد سكّانها ثلاث مرّات منذ النّهضة، صار عدد المحكوم عليهم فيها أقلّ من ثلث عددهم قبل النّهضة. هذا هو الأثر العجيب الّذي أوجدته النّهضة في الحياة الاجتماعيّة لهذه البلدة. كان المتجدّدون الّذين ينتقلون من الجزء الشّماليّ الشّرقيّ من الولايات المتّحدّة إلى جهات أخرى يحملون معهم نيران النّهضة إلى أماكن أخرى، وكانت أحياء ومناطق بجملتها تتأثّر مع أنّ "فِني" لم يزرها بنفسه، ولكن بواسطة من استفادوا من خدمته.
أخيراً استقرّ "فِني" في كنيسة "برودواي" ليرعاها، حيث ألقى محاضراته الشّهيرة عن النّهضات الرّوحيّة، والّتي جُمِعَت فيما بعد في كتاب. ثمّ أصبح أستاذاً للاهوت في كليّة "أوبرلين" في العام 1835، ثمّ عميداً لها، إلى أن توفّي في العام 1875.
منقول عن رسالة الكلمة, العدد: 6، تشرين الثاني 2006