جون وِسْلي
عندما وطأتْ قدماه أرض "جورجيا"، ليُبشّر الهنود الحمر، كان المُرسَل الشّابّ "جون وِسْلي" واثقًا بنفسه وبصلابته المقدّسة وبقدراته التّنظيميّة، الّتي ساعدته على مواجهة مهمّة تبشير الوثنيّين ورعاية سكّان المستعمرات. وهو ظنّ أنّ نجاحه في قيادة طلاّب "النّادي الرّوحيّ" في جامعة أوكسفورد في قراءة الكتاب المقدّس بجدّيّة، والصّلاة وحضور العشاء الرّبّاني بشكل منتظم، ستسمح له بقيادة الهنود وسكّان المستعمرات بسهولة.
إلاّ أنّ محاولة "وِسْلي" التّبشيريّة واجهت فشلاً ذريعًا. فقد اكتشف أنّ الهنود خطاة عنيدون لا يمكن تغييرهم أو حتّى السّيطرة على تصرّفاتهم. أمّا سكّان المستعمرات فقد قابلوا قواعده السّلوكيّة بازدراء وعدم مبالاة. وابتعد عنه رفقاؤه في الخدمة بسبب تشدّده وشجبه لكلّ مظاهر التّزيّن في أثناء العبادة، ورفضه رعاية المنشقّين عن الكنيسة أو حتّى ممارسة خدمة دفنهم. وقد ازدادت خدمته في "جورجيا" سوءًا عندما تزوّجت الفتاة الّتي كان "وِسْلي" يحبّها، من رجل آخر، فرفض حضورها إلى مائدة الرّبّ. الأمر الّذي أدّى
.إلى قيام زوجها الحانِق بمقاضاة "وِسْلي" بسبب تشويهه سمعة زوجته. وهكذا انتهت مهمّة "وِسْلي" التّبشيريّة الأولى.
وفي أثناء عودته إلى إنكلترا، كان لـ"جون وِسْلي" الوقت الكافي للتّأمّل وإعادة التّفكير في تجربته المريعة، وممّا كتبه في هذا المجال: "لقد ذهبتُ إلى أمِريكا لأَهْديَ الهنود، ولكن مَن سيَهْديَني؟" وفيما كان يتأمّل في حالته الّتي وصل إليها، والعار الّذي قد يُصيب مستقبله كلّه بسبب فشل خدمته في "جورجيا"، كان الخوف من الموت يُروّعه منذ كان على متن السّفينة المبحرة إلى "جورجيا"، والّتي تعرضت لعاصفة هوجاء كادت تُغرقها. إلاّ أن وجود مجموعة من المؤمنين "الموراڤيّين" الّذين كانوا يُنشدون التّرانيم ويُسبّحون الله على متن السّفينة، جعله يتساءل عن سبب عدم خوفهم وعن قدرتهم على التّرنيم وسط عاصفة رهيبة كهذه.
بعد عودته إلى إنكلترا بوقت قصير، اكتشف "وِسْلي" سرّ أولئك "الموراڤيّين". لقد التقى بأحد وعّاظهم، "بيتر بوهلر"، الّذي أخبره عن أهميّة الولادة الثّانية وحقيقة التّبرير بالإيمان بيسوع المسيح بصرف النّظر عن أعمال التّقوى الشّخصيّة. وفي أثناء تفكيره في هذه الحقائق، قادته نعمة الله إلى حضور اجتماع صغير في أحد شوارع العاصمة، حيث سمع مقاطع من تفسير "مارتن لوثر" لرسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية، فحصلت العجيبة في حياته. قال "وِسْلي" عن اختباره هذا: "لقد شعرت بدفءٍ غريب في قلبي. ولأوّل مرّة وضعتُ كلّ ثقتي في المسيح، وحده، للخلاص، وأنا متأكّد من أنّه خلّصني من كلّ خطاياي ومن سلطان الخطيّة والموت عليّ".
في تلك اللّيلة من العام 1738، اكتشف "وِسْلي" سرّ الحياة والخدمة. لم يكن السّرّ في قوّته الشّخصيّة الّتي سبّبت له الفشل، بل في يسوع المسيح. إنّ ثقته بالمسيح، وليس بنفسه، جعلته يصير واحدًا من أعظم المبشّرين الّذين أطلقتهم إنكلترا في ذلك الوقت، إلى جانب صديقه "جورج ويتْفيلد". لقد كانت تجربته التّبشيريّة الفاشلة سببًا في تحويل أنظاره عن نفسه إلى المسيح يسوع.
هذه هي قصّة "جون وِسْلي"، الواعظ "الأنغليكانيّ" المكتئِب والمُحبَط، الّذي رأى المسيحيّة الأصيلة في مؤمنين "موراڤيّين" بسطاء، واكتشف سرّ الخدمة بعد سماعه تفسيرًا لموضوع الخلاص في رسالة رومية. مَن يدرس حياة "وسلي" يجد أنّ التّدريب اللاّهوتيّ والعلميّ وحده لا يخلق رجلاً روحيًّا يستخدمه الله، بل إنّ اختبار نعمة الله المخلّصة هو ما يجعل من الإنسان أداة نافعة للملكوت.
منقول عن رسالة الكلمة, العدد: 19، شباط 2010, بقلم: : القسيس د تشارلز باريت.