دراسات و عقائد
تسجيل

الطلاق والزواج الثاني

مقدمة:

عندما نتحدث عن الطلاق والزواج فإننا نتحدث عن كلمتين متنافرتين لا يجمع بينهما إلا سقوط الإنسان تحت الخطية, لأنه من البدء لم يكن هكذا.

وإن حدث الطلاق في حياة الشريكين يكون هو النهاية المأساوية وغير المرجوة ولا المتوقعة لخطة الله.

"فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَق قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيل وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا" (ملاخي 2: 15-16).

فالطلاق هو مكرهة الرب, وغدرٌ وظلمٌ. وموافقتنا عليه يعني موافقتنا على زواج ثانٍ. فإن كان الطلاق غدرٌ وظلمٌ, ألا تعني موافقتنا عليه بإعطاء الرجل كتاب طلاقٍ أننا نشترك في غدره وظلمه. وهل الزواج الثاني لشخص يوصف بالغدر والظلم يكون زواجا مباركا, أم يكون زواج ظلم ومكرهة للرب.

 

والسؤال الأصعب لو وافقنا على الزواج الثاني ثم تكررت الأسباب التي أدت للطلاق الأول, فهل نسمح بالطلاق الثاني, وبالتالي بالزواج الثالث... وعند أي زواج ينبغي أن نتوقف!

في العهد الجديد يُشبَّه الزواج البشري بعلاقة الكنيسة بالمسيح, ولو قلنا إن المسيح يريد أن يتعامل مع عروسه كما نريد نحن أن نتعامل مع زوجاتنا, فهل نتجرأ ونقول إن المسيح سيطلّق, أو قد طلق الكنيسة وسيتزوج بغيرها, ثم سيطلق الأخيرة ويتزوج بغيرها!!

هل هذا هو فكر الله من نحو الزواج؟ هل أسس الله العائلة لتُهدم, أم أسسها لتدوم, أم أننا نخجل من أنفسنا ونقول "فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ" (مرقس10: 9).

بعد هذه المقدمة البسيطة دعونا ندرس الطلاق والزواج الثاني في العهدين بصورة مختصرة.

تعاريف:

الزواج: هو رباط روحي مقدس بين رجل واحد وامرأة واحدة, فيه كل منهما يكمّل الآخر ليصيرا جسدا واحداً, وهو لا ينفصم إلا بموت احد الطرفين, وسيُبطل في العالم الآتي بعد القيامة.

الطلاق: هو التحلل من قيد الزواج بفك الرابط الروحي قبل موت احد الطرفين, وهو عمل غادر يبغضه الله.

* الطلاق والزواج الثاني في العهد القديم:

تنتهي رواية الخلق بمشهد يقوم عليه الزواج. ففي (تكوين 2)، يَظهر القصد الإلهي صراحة في هذه الألفاظ:

"ليس جيدا أن يكون آدم وحده. فأصنع له معينا نظيره" (تكوين 2: 18). فلا يستطيع الإنسان وهو يفوق كل الحيوانات (تكوين 2: 19-2.) أن يجد هذا العون إلا في تلك التي هي عظم من عظامه ولحم من لحمه (تكوين2: 21-23), ولذا فإنه وهو يترك أباه وأمه، يلتصق بها بالحب، فيصيران جسداً واحداً (تكوين 2: 24), على هذا النحو يجد الجنس معناه, بالتعبير في الجسد عن الوحدة بين كائنين يدعوهما الله للتعاون معا في حب متبادل.

لكن الجنس بعد السقوط في الخطية صار عُرضة للاضطراب, وحياة الزوجين البشريين سيتربص بها من الآن فصاعدا الألم وغوايات الشهوة والسيطرة لإفساد هذه اللُحمة, والدخول في مبدأ جديد هو تعدد الزوجات, وهو مختلف كليا عما رتبه الله.

في (تكوين4: 19) نجد شجباً لهذا المبدأ الذي تبناه الجنس البشري حينما يُنسب أصله إلى مبادرة لامك البربري الذي هو من نسل قايين الشرير.

ومن بعده تتكرر القصص التي فيها يَجمع أو يبدّل الرجل زوجاته لأسباب متعددة, وبالتالي نشأت فكرة الطلاق والتي هي ليست من نتاج فكر الله المقدس وإنما فكر الانسان الفاسد.

في ايام موسى عندما اعطيت الشريعة للشعب قديما, لم يكن هذا الشعب المتبدي على مستوى اخلاقي جيد, بل هم كما وصفهم الرب (قساة القلوب), فجاءت الشريعة بمقياس معين لتتلاءم مع هؤلاء. لا أقصد ان الشريعة وافقتهم على أخطائهم ولكن أقول إن الشريعة بدأت معهم من حيث هم.

وان كانت كلمة الطلاق قد وردت في العهد القديم فهي لم ترد كتشريع, أي لم ترد كفريضة, ولكن وردت كحالة خاصة يمكن للإنسان أن يلجأ إليها, أو يتغاضى عنها, إن شاء. فلا يوجد في الشريعة نص يلزم احد الشريكين بالطلاق بسبب حالة ما. ولكن كما قلت الطلاق يرد في حالة خاصة يمكن للشخص فيها أن يُطلّق أو لا يُطلّق بحسب قساوة قلبه وليس بحسب خطة الله أو قصده.

ومن المهم هنا ان نذكر ان حق الطلاق في كل العهد القديم هو بيد الرجل وليس بيد المرأة وهذا سببه ان الرجل هو الذي يدفع المهر لأسرة الزوجة. من أجل ذلك يُسمى بالعبرية (بعل) أي سيد. وفي هذا اشارة خفية إلى ملكية الزوج للزوجة, ولكن مع ذلك هذا لا يعني ان الزوج له الحق في بيع زوجته, فالكتاب يؤكد من البدء إنها عظم من عظامه ولحم من لحمه.

*ماهي الحالات التي لا يُسمح فيها بالطلاق في العهد القديم:

أولاً- "إِذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَحِينَ دَخَل عَليْهَا أَبْغَضَهَا وَنَسَبَ إِليْهَا أَسْبَابَ كَلامٍ وَأَشَاعَ عَنْهَا اسْماً رَدِيئاً وَقَال: هَذِهِ المَرْأَةُ اتَّخَذْتُهَا وَلمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا لمْ أَجِدْ لهَا عُذْرَةً. يَأْخُذُ الفَتَاةَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا وَيُخْرِجَانِ عَلامَةَ عُذْرَتِهَا إِلى شُيُوخِ المَدِينَةِ إِلى البَابِ وَيَقُولُ أَبُو الفَتَاةِ لِلشُّيُوخِ: أَعْطَيْتُ هَذَا الرَّجُل ابْنَتِي زَوْجَةً فَأَبْغَضَهَا. وَهَا هُوَ قَدْ جَعَل أَسْبَابَ كَلامٍ قَائِلاً: لمْ أَجِدْ لِبِنْتِكَ عُذْرَةً. وَهَذِهِ عَلامَةُ عُذْرَةِ ابْنَتِي. وَيَبْسُطَانِ الثَّوْبَ أَمَامَ شُيُوخِ المَدِينَةِ. فَيَأْخُذُ شُيُوخُ تِلكَ المَدِينَةِ الرَّجُل وَيُؤَدِّبُونَهُ وَيُغَرِّمُونَهُ بِمِئَةٍ مِنَ الفِضَّةِ وَيُعْطُونَهَا لأَبِي الفَتَاةِ لأَنَّهُ أَشَاعَ اسْماً رَدِيئَاً عَنْ عَذْرَاءَ مِنْ إِسْرَائِيل. فَتَكُونُ لهُ زَوْجَةً. لا يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُل أَيَّامِهِ" (تثنية22: 13-19).

في هذا النص نجد رجلاً اتهم زوجته بأن ليس لها عذرة, وبعد التحقق من الأمر ثبت أنه كان كاذبا, فيغرم بمئة من الفضة تعطى لوالد الفتاة ولا يقدر ان يطلقها كل ايام حياته.

ثانياً- "إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ فَأَمْسَكَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فَوُجِدَا. يُعْطِي الرَّجُلُ الذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا لأَبِي الفَتَاةِ خَمْسِينَ مِنَ الفِضَّةِ وَتَكُونُ هِيَ لهُ زَوْجَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أَذَلهَا. لا يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُل أَيَّامِهِ" (تثنية22: 28-29).

هنا نجد رجلاً يغتصب فتاة عذراء غير مخطوبة فتكون عقوبته أن يعطي والد الفتاة خمسين من الفضة, وتكون هي زوجة له لأنه قد أذلها ولا يقدر ان يطلقها كل أيام حياته.

ثالثاً- الزنا: لأن عقوبة الزنا قبل او بعد الزواج ليست الطلاق لكن الموت رجما.

بعد الزواج [لاويين20: 10+ تثنية22: 22-24+ يوحنا8: 4-5],

قبل الزواج [تثنية22: 20-21].

*ماهي الحالات التي يُسمح فيها بالطلاق في العهد القديم:

لا يوجد في العهد القديم إلا حالة واحدة هي:

"إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا فَإِنْ لمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ وَكَتَبَ لهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَدَفَعَهُ إِلى يَدِهَا وَأَطْلقَهَا مِنْ بَيْتِهِ وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ فَإِنْ أَبْغَضَهَا الرَّجُلُ الأَخِيرُ وَكَتَبَ لهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَدَفَعَهُ إِلى يَدِهَا وَأَطْلقَهَا مِنْ بَيْتِهِ أَوْ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ الأَخِيرُ الذِي اتَّخَذَهَا لهُ زَوْجَةً لا يَقْدِرُ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الذِي طَلقَهَا أَنْ يَعُودَ يَأْخُذُهَا لِتَصِيرَ لهُ زَوْجَةً بَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ. لأَنَّ ذَلِكَ رِجْسٌ لدَى الرَّبِّ. فَلا تَجْلِبْ خَطِيَّةً عَلى الأَرْضِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً" (تثنية24: 1-4).

انها الحالة التي سُئل عنها الرب يسوع من قبل الفريسيين في العهد الجديد في متى19 "هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟". دعونا نتوقف عند هذا النص الذي انقسم العبرانيون في تفسيره فيما بعد إلى مدرستين, مدرسة هليل التي اباحت الطلاق بين الزوجين لأي سبب, ومدرسة شمعي التي اباحت الطلاق لعلة الزنا فقط.

1- هذا النص لا يقدم أسبابا لإباحة الطلاق, لكن يقدم سببا لمنع الطلاق؟ والحديث عن نجاسة الأرض يؤكد هذا الأمر. وفيما بعد يؤكده ارميا أيضاً "يَسْأَلُونَ: إِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَصَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ فَهَلْ يَرْجِعُ إِلَيْهَا بَعْدُ؟ - أَلاَ تَتَنَجَّسُ تِلْكَ الأَرْضُ نَجَاسَةً؟ أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ زَنَيْتِ بِأَصْحَابٍ كَثِيرِينَ! لَكِنِ ارْجِعِي إِلَيَّ يَقُولُ الرَّبُّ" (ارميا3: 1).

2- (عيب شيء), هو كل شيء ماعدا الزنا. لأنه في حالة الزنا تُقتل المرأة, إن كان قبل الزواج أو بعده, ولا تعطى كتاب طلاق. لكن هنا نجد الرجل يعطي المرأة كتاب الطلاق أي وثيقة براءة من علّة الزنا.

3- هل هذه الزوجة هي زوجة حرة أم زوجة لها مواصفات معينة. بمعنى هل الطلاق هنا يرتبط بالزواج من فتاة حرة, وبالتالي (عيب شيء) يسري على كل زواج حر. أم هي فتاة لها خصوصيتها, وبالتالي الطلاق هنا حالة خاصة. مع الأخذ بعين الاعتبار ان الطلاق ليس اجباريا, وبالتالي يحق للرجل ان لا يطلّق ان اراد.

والجواب على السؤال هل المرأة حرة ام لا هو في الكلمة (أخذ) لاحظ معي (إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها). فالعبارة تقول: أخذ, ثم تزوج!

بالرجوع إلى الأصل العبري فإن كلمة اخذ هي (law-kakh') وهي بحسب قاموس (Mickelson's Enhanced Strong's Greek and Hebrew Dictionaries), تشير إلى عدة معاني, منها (يأخذ بالقوة - يُجبر- يشتري- يفوز- يستولي على- يحجز- يأسر- يضع يده على). وبمقارنة (تثنية21: 10-14) نجد الكتاب يقول:

"إِذَا خَرَجْتَ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكَ وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى يَدِكَ وَسَبَيْتَ مِنْهُمْ سَبْياً وَرَأَيْتَ فِي السَّبْيِ امْرَأَةً جَمِيلةَ الصُّورَةِ وَالتَصَقْتَ بِهَا وَاتَّخَذْتَهَا لكَ زَوْجَةً فَحِينَ تُدْخِلُهَا إِلى بَيْتِكَ تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَهَا وَتَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا وَتَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْراً مِنَ الزَّمَانِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ عَليْهَا وَتَتَزَوَّجُ بِهَا فَتَكُونُ لكَ زَوْجَةً. وَإِنْ لمْ تُسَرَّ بِهَا فَأَطْلِقْهَا لِنَفْسِهَا. لا تَبِعْهَا بَيْعاً بِفِضَّةٍ وَلا تَسْتَرِقَّهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَذْللتَهَا"

إذا هذه الفتاة ليست حرّة لكي يعطيها كتاب طلاق, وبالتالي الطلاق لا ينسحب على الزواج من حرة, بل هو حالة استثنائية.

* الطلاق والزواج الثاني في العهد الجديد:

سنعالج بشكل سريع الآيات التي تكلمت عن هذا الموضوع:

النص الأول:

"وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي" (متى5: 31).

ملاحظات:

1-  (قيل) عائدة على الفريسيين وليس على الناموس.

2-  اليهود هنا لا يعتبرون الطلاق أمراً ضرورياً (من طلّق) بل هو امر اختياري.

3-  (لِعِلَّةِ الزِّنَى), إن كان الرب يربط الطلاق بالزنى حسب المفهوم المسيحي "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ" (متى5: 28). فهذه مشكلة, لأنها ستجعل الطلاق امرا غير منضبط. وإن كان يربط الطلاق بالزنا حسب المفهوم الناموسي فهذا يعني انه نقض عقوبة الرجم واستبدلها بفسخ الزواج واعطاء الرجل /الطرف البريء/ حق الزواج ثانية, وهذا أيضاً مستحيل, لأن الرب في (يوحنا 8) حافظ على ناموس موسى (رجم الزانية) عندما قال لليهود:"مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ"

4-  قوله من يتزوج مطلقة يعني أي مطلقة (بحسب مدرسة هليل او مدرسة شمعي) إن كانت امرأة حرة أو غير حرة, فإنه يزني. وهذا يعني أن الرب مازال يعتبر المطلقة مرتبطة بزوجها ولا يوجد ما يفصلها عنه, والدليل أنه لم يتحدث عن كتاب طلاق يعطى للمرأة للسماح لها, أو له بالزواج الثاني.

5-  (وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ), أي ما يخالف كلامكم.

6-  (إِلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى), أي لأي سبب غير الزنى, لأن الزنى لا يوجد له طلاق, بل رجم.

وبالتالي يصبح معنى الآية, أنتم تقولون: إن الرجل إن أراد أن يطلق امرأته عليه أن يعطها كتاب طلاق يؤكد للمجتمع أنها ليست زانية, وبالتالي من حقها أن ترتبط برجل آخر. ولكني أقول لكم ما يخالف كلامكم, من طلق امرأته لأي سبب غير الزنى- لأن حكم الزنى ليس الطلاق بل الموت رجماً- يجعلها تزني. ومن يتزوج مطلقة لأي سبب فإنه يزني.

وهذا معناه أن الطلاق الذي يؤدي إلى الزواج الثاني مرفوضاً رفضاً قاطعاً ولأي سبب كان. لأن المرأة المطلقة بالعرف الاجتماعي مازالت في نظر الله مرتبطة بزوجها, وبالتالي أي ارتباط آخر لها بغير زوجها يعتبر زنى على زوجها. والرجل الذي يرتبط بمطلقة مهما كان سبب طلاقها فهو يزني, لأن المطلقة بالعرف الاجتماعي, مازالت بنظر الله مرتبطة بزوجها الأول.

النص الثاني:

"فَسَأَلُوهُ: فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلَكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي. قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: إِنْ كَانَ هَكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ" (متى19: 7-12).

ملاحظات على النص:

1-  ما وصفوه بالوصية, دعاه الرب إذناً, وإذناً على كره. ومرده ليس قصد الله بل عناد الانسان.

2-  ان كان الكلام عن موسى الذي اذن لهم, فربما الاذن هنا هو شفهي, باعتبار ان موسى كان قاض للشعب, وقد أُحرج بسبب جهالة هذا الشعب, فلو لم يسمح لهم بالطلاق لرفضوا العمل بالناموس ووقعوا تحت غضب الله. وان كانت الإشارة الى (تثنية24: 1-4) فهذا يعني ان الشعب القاسي الرقبة بسبب الخطية تمادى في تعميم هذه الوصية ليحولها إلى فرصة طلاق لأي سبب.

3-  الرب لم يدخل معهم في جدال حول تفسير الوصية لكنه رد الأمر إلى الأصل (في البدء لم يكن هكذا), وما جمعه الله لا يفرقه إنسان.

4-  قوله :"إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى (مطلقة أو غير مطلقة) يَزْنِي, وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ (بالأصل اليوناني بأخرى) يَزْنِي". هو نفس كلامه في (متى5: 31). وعندما استصعب التلاميذ قوله: "إِنْ كَانَ هَكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ", بمعنى, إن كان الرجل ليس من حقه طلاق زوجته, فخير له أن لا يتزوج, لأنهم فهموا من كلام المسيح أن لا طلاق البتة. فجاء جواب المسيح: "لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم". فان كان موضوع الطلاق وعدم الزواج الثاني صعباً بالنسبة للتلاميذ يقول الرب: نعم هذا صعب, ولكن هناك ما هو اصعب منه, اناس يعيشون بملء ارادتهم بلا زواج من اجل ملكوت الله.

النص الثالث: مرقس10: 2-12.

النص هنا يتشابه مع (متى19: 7-12) باستثناء كلمة الزنا + حق الطلاق للمرأة "مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي". فالنص هنا يقول ان الرجل الذي يطلق امرأته (لأي سبب) ويتزوج بأخرى (مطلقة او غير مطلقة) يزني, كونه مازال شرعا امام الله مرتبطا بزوجته الأولى. وكذلك المرأة إن طلقت زوجها (لأي سبب) وتزوجت بآخر (مطلق أو غير مطلق) تزني, لأنها مازالت مرتبطة بزوجها الأول أمام الله. والنتيجة لا يوجد طلاق و لا يوجد زواج ثاني.

النص الرابع:

"كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخْرَى يَزْنِي وَكُلُّ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ مِنْ رَجُلٍ يَزْنِي" (لوقا16: 18). نفس المعنى الوارد في متى و مرقس, فلا طلاق ولا زواج ثاني.

النص الخامس: (رومية7: 1-3.)

"أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ - لأَنِّي أُكَلِّمُ الْعَارِفِينَ بِالنَّامُوسِ - أَنَّ النَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى الإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيّاً. فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحْتَ رَجُلٍ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ الْحَيِّ. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ الرَّجُلِ. فَإِذاً مَا دَامَ الرَّجُلُ حَيّاً تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى إِنَّهَا لَيْسَتْ زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ".

واضح تماما ان الرسول بولس لا يخرج عن سياق الكلام الوارد في متى او مرقس او لوقا, فالطرفين (الرجل والمرأة) ليس من حقهما الزواج الثاني إلا عند موت الزوجة, أو الزوج.

النص السادس:

"أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّهُ يَقُولُ: يَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ لَكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ" (1كورنثوس6: 15-18).

من التصق بزانية يصير زانيا, والزانية هي التي تكون مرتبطة بزوج, ثم تتزوج ثانية أو تقيم علاقة مع رجل آخر. وكذلك من التصقت بزانٍ تصير زانية, والزان هو الذي يكون مرتبطا بزوجة ثم يتزوج ثانية, او يقيم علاقة مع امرأة أخرى.

واضح تماما ان الرسول بولس لا يخرج عن سياق الكلام الوارد في متى او مرقس او لوقا أو رومية, فالطرفين (الرجل والمرأة) ليس من حقهما الزواج الثاني إلا عند موت الزوجة, أو الزوج.

النص السابع:

"وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ (المؤمنة) رَجُلَهَا (المؤمن). وَإِنْ فَارَقَتْهُ فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ (المؤمن) امْرَأَتَهُ (المؤمنة). وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ فَلاَ يَتْرُكْهَا. وَالْمَرْأَةُ (المؤمنة) الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا فَلاَ تَتْرُكْهُ. لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ - وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ. وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ. وَلَكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَداً فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَحْوَالِ. وَلَكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ" (1كورنثوس7: 10-15).

ملاحظات على النص:

1-  يقول الرسول بولس "وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ" وطبعا لا ينبغي ان يُفهم من هذا الكلام ان الرسول بولس كان يقدم اجتهادا شخصيا ثم انتقل ليعلّم تعاليم الرب. ففي الأعداد التي سبقت كتب "وَلَكِنْ أَقُولُ", أي أكتب ما قد اعلنه لي الروح القدس. وأما الآن فيكتب "فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ" أي ان هذه الوصية قد سبق الرب وأعلنها عندما كان على الأرض.

2-  على المرأة المؤمنة أن لا تفارق رجلها, وإن فارقته (هجرته) فلتلبث غير متزوجة, أو لتعود لزوجها وتتصالح معه. فلا زواج ثان.

3-  كذلك الرجل المؤمن عليه ان لا يترك امرأته لأي علّة, ومن المنطقي انه لا يستطيع الزواج ثانية.

4-  يقول الرسول بولس "وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ". الباقون هنا, هم الأزواج الذين احد طرفيهم غير مؤمن. وهؤلاء لم يتكلم عنهم او يوصيهم الرب يسوع عندما كان على الأرض, لذلك اعلن للرسول بولس بوحي من الروح القدس ما ينبغي ان يُقال لهم.

5-  في حالة كون احد الطرفين غير مؤمن وهو يرتضي ان يبقى مع الطرف المؤمن فعلى الطرف المؤمن ان لا يتركه. لأن الزواج في نظر الله وإن كان بين طرفين مختلفين في ايمانهما فهو مقدس, ولو كان غير ذلك يقول الرسول بولس: لكان اولادكم نجسون أي نتاج علاقة غير شرعية. ولكنه يؤكد إنهم مقدسون أي نتاج علاقة شرعية. وربما هذا يفسّر عدم وجود طقوس دينية في العهد القديم او الجديد تتعلق بمراسيم بالزواج.

6-  في حال ان الطرف غير المؤمن لم يُرد ان يبقى مع الطرف المؤمن فليفارق (لم يقل طلاق). فيكون المؤمن في هذه الحالة غير مستعبد للعلاقة مع غير المؤمن. وهنا فهم البعض مع الأسف, انه يحق للطرف المؤمن في هذه الحالة ان يرتبط بزواج جديد, ولكن سياق الحديث من البداية يؤكد ان هذا الزواج مقدس, وبالتالي لا يمكن تكراره بزواج ثان. ولا يمكن ان نفهم غير ذلك لأن كل العهد الجديد لا يوجد فيه حديث ولا حتى تلميح, عن زواج ثان. ووقوع الشبه في تفسير جزء بسيط من آية لا يعدوا كونه كلمتين, لا يبرر تشريع عقيدة تخالف سياق الانجيل بأكمله.

خاتمة:

واخيرا فإن دورنا هو ان نُفصّل كلمة الحق بالاستقامة, وليس ان نفصّل كلمة الحق على مقاس الناس.

أحيانا يقع المؤمنون في اخطاء قاتلة اثناء زواجهم المبني على مشورتهم وليس على مشورة الله, فنطالَب نحن ان نُشفق عليهم وعلى الحالة التي وصلوا اليها, فنأخذ في البحث بين صفحات الكتاب المقدس عن آية أو قصة ما لإصلاح خطأهم, او لتقليل الأضرار ما امكن. وعادة ما يكون الطلاق والزواج الثاني هو الحل لهذه المشكلة.

ان هذه العواطف التي تقودنا لمساعدة الآخرين هي عواطف غير مشروعة, لأنها محاولة لإثبات اننا أكثر شفقة على الناس من الله.

على من ارتكب الخطأ أن يعيش ما تبقى له من عمر بحسب الكلمة المستحقة كل قبول, وليس بطريقة يكسر فيها الكلمة, فيقع بخطأ آخر. ودورنا كرعاة وخدام ان نشدد على المؤمنين في كل محن حياتهم ان الكلمة لا تتغير واما انتم فتغيروا بحسب الكلمة.

بقلم خادم الرب, نبيل يعقوب

Attachments:
Download this file (Second_M.pdf)الطلاق و الزواج الثاني[ ]405 kB145 Downloads