الخادم الرسول ἀπόστολος))[1]
قيلت هذه الكلمة عن الرب يسوع المسيح (رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ)[2], الذي أرسله (الآبَ .... مُخَلِّصاً لِلْعَالَمِ.)[3]. وكل رسول بعد ذلك, إنما هو مرسل من الرب يسوع المسيح نفسه (فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا»)[4], ومن يقبل هذا الرسول يقبل المسيح نفسه (مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي)[5], ومن يسمع من هذا الرسول يسمع للمسيح نفسه (اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي)[6]. وهذه العبارات مع أنه يمكن تعميمها, لكن على الأرجح أنها قيلت بحق الرسل الاثني عشر.
كما استخدمت هذه الكلمة في الإشارة إلى مبعوثي الكنائس (وَأَمَّا أَخَوَانَا فَهُمَا رَسُولاَ الْكَنَائِسِ، وَمَجْدُ الْمَسِيحِ)[7], أو كدلالة على الذين أرسلهم الله إلى شعبه قديما[8].
من الملاحظ أنه كان هناك نوعان من الخُدّام، الخادم المتجول والخادم المحلّي, وكان على رأس الخُدّام المتجولين الرسل[9], فكان للرسول علاقة عامة مع كل الكنائس، ولم يكن من الضروري أن يكون واحداً من التلاميذ الأحد عشر، فعلاوة على مَتِّيَاسَ الذي حُسب مع الأحد عشر رسولاً[10], كان هناك الرسل بولس وبرنابا[11], ويعقوب[12] أخو الرب, وأنسباء بولس أَنْدَرُونِكُوسَ وَيُونِيَاسَ[13].
.وهذا يعني أن الرسولية كمصطلح في العهد الجديد لم تكن قاصرة على الرسل الاثني عشر فقط, وإلا ما وجدنا هذا العدد من الناس الذين يدّعون[14] الرسولية وما هم برسل, إذ كان ادعاؤهم قد بَطُلَ منذ البدء.
كان للرسول (بالمعنى الضيق للكلمة أي أحد الاثني عشر) علامات وشروط, أهمها ما حدده الرسول بطرس بمناسبة اختيار بديلاً ليهوذا (فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَج مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ)[15], أي أن الرسول هو أحد الأشخاص الذين كانوا مع الرب يسوع المسيح منذ معمودية يوحنا إلى صعوده.
وكان مركز الرسل الاثني عشر فريدا, فهو لم ينتقل إلى غيرهم، ولم يحل أحد محل الذين رقدوا, فمثلاً يعقوب أخا يوحنا[16] الذي قتل بالسيف لم يأخذ مكانه يعقوب أخو الرب، وبولس لم يأخذ مكان يهوذا الاسخريوطي.
أما بالمعنى الأوسع للكلمة فأهم الشروط في الرسول أنه رأى الرب بعد قيامته[17], وأنه صنع آيات وعجائب وقوات[18] كوسيلة لتثبيت الرسالة التي كان يكرز بها[19], وكان عليه أن يشهد بكل ما رآه وسمعه وأن يكرز بالإنجيل[20], وأن يؤسس كنائس ويهتم بها[21], ويضع العقائد ويشرحها(كبولس), ويمارس سلطانه بالتأديب الكنسي[22], والبت في المشكلات الهامة في الكنيسة إدارية كانت أو غيرها[23].
ومن الملاحظ أنه كانت تحدث بعض الظواهر المعجزية نتيجة لوضع أيدي الرسل على أفراد أو جماعات من الناس في بعض مراحل العمل الكرازي[24], ولكن ليس ثمة إشارة إلى أن هذه الظواهر كانت دائمة فقد تحدث دون وضع أيدي الرسل[25].
ولأن خدمة الرسول هي أهم خدمات الكنيسة فقد قيل عن المؤمنين (مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ)[26].
وعلى ما يبدو أن كلمة رسول تدرجت في معناها لتشمل ثلاث فئات من الخدّام هم:
1-بالمعنى الضيق, الرسل الاثني عشر, وقد ساهموا بوضع العقائد وتفسيرها, وهم يملكون كل المواهب, وإليهم كمرجع يعود الجميع.
2-بالمعنى الأوسع, الرسل الذين رأوا الرب المقام وصُنعت على أياديهم قوات وعجائب, وهم يملكون كل المواهب, وقد ساهموا أيضاً في وضع عقائد الكنيسة وتفسيرها. وكان لابد لهؤلاء الرسل الذين لم يكونوا من تلاميذ الرب أثناء فترة وجوده على الأرض أن يستندوا إلى أقوال الرسل الاثني عشر فيما يختص بأحداث تلك الفترة, أو بأي نزاع عقائدي قد يظهر للوجود[27].
3-بالمعنى العام, الرسل الذين هم مبعوثو الكنائس.
ومن هذه الشروط التي كان يجب أن تتوفر في الرسول نفهم أن هذه الخدمة بالنسبة للفئة الأولى والثانية يتم التعيين فيها من قبل الرب بشكل مباشر, وأنها انتهت بوفاتهم. أما بالنسبة للفئة الثالثة فشرط التعيين فيها من قبل الرب مباشرة ليس أساسياً, وهي مازالت قائمة حتى يومنا هذا.
ومع أننا في أيامنا هذه لدينا مرسلون ومؤسسو كنائس حقيقيون (بالمعنى الثالث للكلمة) قد أرسلهم الرب إمّا بشكل مباشر أو عن طريق كنيسة ما, والبعض منهم قد صنع الله على يديه آيات وعجائب, لكن من المهم أن ندرك أن هؤلاء لا يملكون السلطان الذي كان يملكه الرسل الأوائل سابقاً إن كان من جهة وضع العقائد أو من جهة تفسير الكلمة.
لذلك وتحاشياً لسوء استخدام الكلمة بالنسبة للمرسلين في أيامنا الحالية, من المفضل أن نستبدل كلمة رسول بعبارة مندوب الكنيسة.
بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب
[1] - تُقرأ (ap-os'-tol-os ), وتعني بالأصل اليوناني (مندوب, أو بشكل رسمي مفوض السيد المسيح بقدرات معجزيه)
Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries G652
[2] - عبرانيين3: 1.
[3] - 1يوحنا4: 14.
[4] - يوحنا20: 21.
[5] - متى10: 40.
[6] - لوقا10: 16.
[7] - 2كورنثوس8: 23.
[8] - لوقا10: 49.
[9] - 1كورنثوس12: 28+ أفسس4: 11.
[10] - أعمال1: 26.
[11] - اكورنثوس9: 5.
[12] -غلاطية1: 19.
[13] - رومية16: 7.
[14] - (لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ) 2كورنثوس11: 13.
[15] - أعمال1: 21-22+1كورنثوس9: 1
[16] - أعمال12: 2.
[17] - (1كورنثوس9: 1), مع العلم أن هناك بعض الرسل لم يخبرنا الكتاب المقدس أنهم رأوا الرب كبرنابا وانْدَرُونِكُوسَ وغيرهم, لكن صمت الكتاب لا يعني بالضرورة عدم وجود قصة لقاء مع الرب!!
[18] - 2كورنثوس12: 12.
[19] - عبرانيين2: 4.
[20] - 1كورنثوس1: 17.
[21] - 2كورنثوس11: 28.
[22] - 1كورنثوس4: 21+ 1كورنثوس5.
[23] - اعمال15: 6+ الرسائل الرعوية, بل معظم رسائل العهد الجديد.
[24] - ( أعمال 8 : 14 – 19 + 19 : 1 – 7 )
[25] - اعمال10: 44-48.
[26] - افسس2: 20. وهذه الآية قد تعني:
1- إن الكنيسة ليست مبنية على أفكار حديثة, بل مبنية على تعاليم العهدين, حيث يمثل الرسل تعاليم العهد الجديد, بينما يمثل الأنبياء تعاليم العهد القديم.
2- إن أساس الكنيسة قد وضعه الرسل والأنبياء (أنبياء العهد الجديد) وبنوا عليه, وهذا الأساس هو المسيح, ويناسب ذلك قول الرسول بولس(كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاساً وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلَكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ.) 1كورنثوس3: 10-11.
[27] - (وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا».فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ وَالْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أعمال15: 1-2.