(ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ الإِنْجِيلِ،)فيلبي: 1: 12.
عندما كتب الرسول بولس هذه الكلمة (اموري), بلا شك كان يستعيد ما قد حدث معه قبل ان يكون في احد سجون روما التي منها كتب هذه الرسالة.
فما اكثر الحوادث التي جرت له والتي كانت خارجة عن نطاق ارادته, ولكنها بسماح من الله. انه يذكر كم تعب لجمع التقدمة من كنائس الامم لمساعدة فقراء اليهود وهو يظن ان هذا الامر سيكون امرا معزيا لهم وله, ولكن النتيجة كانت عكس المتوقع, فقد هاج عله اليهود في اورشليم وكادوا يفتكون به لو لم يتدخل الجنود الرومان وينقذوه.
انه يذكر تآمر اليهود على حياته وكيف بسببهم دخل السجن واصبح العوبة بين المشتكين من اليهود من جهة وبين واليين رومانيين من جهة اخرى.
انه يذكر كيف انكسرت به السفينة وكيف وصل الى البر وكيف استأجر لنفسه بيتا في روما وكان لايزال مقيدا وحارسه مقيد معه.
والان بعد مرور نحو اربع سنوات عليه, وهو مقيد, يكتب في رسالته هذه, ان اموره قد آلت اكثر الى تقدم الانجيل؟! فيكتب بذلك اكثر رسائله تعزية وفرحاً. حتى ان كلمة فرح تتكرر في رسالته نحو احدى عشر مرة.
ان هذا الرسول الكبير يفهم ان كل امور حياته تجري ضمن القصد الالهي, فيراها من خلال هذا المنظار, لذلك يعمل كل شيء لتحقيق هذا القصد.
فالمرض والسجن والضرب والاهانات والفقر والجوع والشبع, كلها مجرد حوادث الغاية منها انتشار رسالة الانجيل. واذ ينظر بولس الرسول لكل ماضيه الصعب, ثم يقرأ النتيجة في نهاية السيرة, فيجد ان كل اموره قد آلت لانتشار الانجيل, تصيبه نشوة من الفرح.
انه رجل لايعيش لتحيق مقاصده ولكن يعيش لتتميم مقاصد الله. وان تحققت مقاصد الله في حياته يقول: (بهذا انا افرح). وهكذا يستطيع ان يكتب من السجن اكثر الرسائل فرحا أي رسالة فيلبي.
انه لايفرح بسلسلة آلامه, ولكن يفرح لأنّه بهذه السلسلة تمت مقاصد الله.
والان ماذا بالنسبة الينا, هل نرى الأمور من خلال منظار الله, ام من خلال منظار سعادتنا. هل نرى سلسلة ألامنا تخدم تحقيق هدف الله في حياتنا, فنفرح. ام نراها تعاكس سعادتنا الزمنية فنتذمر.
متى سنصل الى لحظات الايمان التي معها نستطيع القول: (وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا.) رو8: 37.
بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب
.