لوقا1: 39-56
أَخْفَتْ أَلِيصَابَات نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. وإذ لم تستطع إمساك فرحتها أكثر, أذاعت سرّها. طارت البشارة من مدينة يهوذا إلى الناصرة, (إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ). وَفِي الشَّهْرِالسَّادِسِ قال جبّار الله لمريم (سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً). وإذ فاق الأمر عقلها قال لها: (هُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً...لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ).
اختفى جبّار الله تاركاً مريم في ارتباك. وكنسيبتها اخفت الأمر عن الجميع. ثمّ في اضطراب اخبرت خطيبها عزمها السفر إلى مدينة يهوذا. كان الطّقس بارداً, والطريق بين الجبال وعرة وطويلة, فتطوع يوسف وبعض الأهل لرفقتها.
بين الجبال كانت مريم تفتكر بيد الله القدير, إذ أعطاها ابناً دون رجلٍ, ونسيبتها (بَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ) ابناً في وقت مُمات مُسْتَوْدَعِها. وإذ افتكرت بيوسف خطيبها ارتبكت.
كان يوسف مُمسكاً زمام الحمار, وإذ تعثر بين الصخور صرخت مريم. نظر اليها مبتسماً, أمّا هي فأشاحت بوجهها خوفاً من يوم قادم.
وصلت القافلة ثمّ عادت دون مريم. أمّا مريم فدخلت (بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ), وهنأتها بما رفع العار عنها. (فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ...صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟)
ارتبكت مريم. كيف عرفت أَلِيصَابَاتَ سِرّها. وإذ امتلأت غبطة رنمت (تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي). ها هو القدير قد صنع بها عظائم, فتشدد ايمانها, ومَكَثَتْ عند نسيبتها (نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا).
كان الوقت ربيعاً. (سَوَاقِي اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً) (بَيْنَ الْجِبَالِ تَجْرِي). والأشجار (فَوْقَهَا طُيُورُ السَّمَاءِ تَسْكُنُ). (اكْتَسَتِ الْمُرُوجُ غَنَماً وَالأَوْدِيَةُ تَتَعَطَّفُ بُرّاً. تَهْتِفُ وَأَيْضاً تُغَنِّي). (تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ يُزْهِرُ إِزْهَاراً وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجاً وَيُرَنِّمُ).
وإذ وصلت مع خطيبها يوسف مرج ابن عامر, كان وقت أَلِيصَابَات قد أزفّ للولادة. نظرت حولها فسمعت ترانيم الفلاحين تصدح (كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ وَآثَارُكَ تَقْطُرُ دَسَماً), تهللت. ثم صعدت طُرقاً وعرة إلى الناصرة, وإذ وصلت بيتها قالت ليوسف بارتباك: لديّ أمرٌ. تبسّم, وأنزلها عن الحمار وقال: أَسمعيني.فأخبرته بكل ما صار.
لم يستوعب يوسف الكلام, فطلب الإعادة. وإذ كررت, لم يستوعب ايضاً. فارقته الفرحة وبدا مرتبكاً. تفرّس فيها, شكلها رزين، منظرها طاهر, لكنّ بطنها مملوءٌ والذي فيه يتحرك. فتحيّر ماذا يفعل. غادر المنزل و(هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ). أمّا مريم (فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ).
مرت الأيام ثقيلة على كليهما, تغيّر سلوكه, انقطع عن عمله, انزوى فريدا في البساتين المحيطة. تفكّر في نفسه قائلاً: مُنْذُ الدَّهْرِلَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً ولِد بدونِ زرعِ بشرٍ. وإذ لم يجد ما يجمع بين نزاهة مريم وحملها, مال إلى شكوكه. و(إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً).
(وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ...وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ القَائِلِ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا).
بكّرَ يوسف صباحاً إلى المجمع, وهناك مع أحد الشيوخ فتّشَ الكُتبْ, وإذ قرأ ما قيلَ من الرَّبِّ في الكتاب استراح. ثمّ عاد الى البيت إلى مريم (وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ الله), و(فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ).
مأخوذ من كتاب (مخلَص العالم), لمؤلفه ق. نبيل سمعان يعقوب
.