الجمال الحقيقي
كان يوسف جميلا، ولكن جماله الأعظم لم يكن في الجمال الجسدي، بل في تفوق الجمال الروحي، على جمال الجسد، ولم يلفت يوسف العالم بجمال شكله، ولكنه لفت العالم بجمال عقله الذى أدار به حياة أمة ثمانين عاماً بأكملها، من الثلاثين « أن مات في المائة والعاشرة من عمره، .. وفى جمال الأخلاق المترفعة أمام اللّه والناس، فهو ليس بالإنسان الذى يعطيه خالقه جمالاً، فيفسد هذا الجمال بالشر العظيم الذى يصنعه أمام اللّه، وهو ليس بالإنسان الذى يستغل هذا الجمال ضد الرجل الذى وثق به وسلَّمه كل شيء في بيته، كان جمال الروح أعظم ما يملأ حياة يوسف.
كان موسى جميلاً وقد زاده اللّه جمالاً بالشعاع البهي الرائع الذى عكسه على وجهه، فجعله أروع من جمال القمر عندما تسكب الشمس أنوارها العظيمة عليه، واحتاج موسى إلى برقع، يغطى به هذا الجمال كلما اقترب من الناس أو اقترب الناس منه، لأن جمال اللّه كان عليه.. ولكن موسى لم ير الجمال في وجهه أو بنيانه الرائع ولم ير الجمال في عقله الذى قاد أمة أربعين سنة يصرف أمورها بحكمة عظيمة .. ولكن جماله الأعلى كان جمال الروح في الحياة السامية التي عاشها على مقربة من اللّه.
كانت أبيجايل امرأة جميلة حسنة الصورة، لكن جمالها الحقيقي لم يكن هو الجمال الأنثوي الذى يسحر العقول، ويذهل الألباب، بل كان جمال العقل في المرأة الجيدة الفهم الحسنة التدبير، التي تقف في وجه الكارثة المزمعة أن تكتسحها وبيتها لحماقة زوجها، وسوء تصرفه، ... لكنه مع هذا كله كانت أروع جمالاً بالسمو الروحي الذى جعلها ترد داود من الانتقام مذكرة اياه بالدعوة العليا التي لا يجمل به أن يضيعها بالانتقام، بل أن يسمو بها في انتظار فضل اللّه الذى لابد أن يأتي، وأخذ داود بهذا السمو الروحي، وعف عن القتل وسما إلى العفو، وجاءه الفرح من اللّه بعد أيام قلائل!! ..
كلا لم يكن جمال أبفرودتس مجرد جمال جسدي أو حتى عقلي، بل كان أولاً وأخيراً الجمال الروحي، العظيم، كان اسمه مشتقاً من أفروديت آلهة الجمال، وشتان بين الجمال في المفهوم المسيحي، والجمال عند اليونان في المفهوم الوثني، كانت عبادة أفروديت مقرونة بالتلوث والدعارة والعار، وكانت هناك ألف امرأة في كورنثوس خصصن أنفسهن من أجل أفروديت لهذه العبادة القذرة الداعرة،... وفى كل أجيال التاريخ عاش الناس وما يزالون وثنيين في عبادة الجمال والخضوع لسلطانه البطاش الرهيب، فكم من شاب ترك دينه من أجل امرأة، وكم من شابة باعت حياتها وجمالها في سوق الهوى الرخيص والتبذل القبيح، .. ولكم من نذير حلقت شعر رأسه على ركبتيها فتاة ماجنة وكم من ملايين الناس هووا إلى الجحيم، وهم أشبه بالوعول الساقطة في الأشراك،.. أشراك الحب الآثم والهوى القبيح!! .. لكن أبفرودتس والذى ولد في مهد الجمال الوثني، سطع عليه نور المسيح، فأضحى مسيحياً يشع منه نور الحياة الإلهية المقدسة الممتلئة من جمال الروح!! ..
وعندما نقرأ قصة أبفرودتس تجد أمامك قصة رسمها فنان عظيم رائع الجمال يعكس جماله على جميع أتباعه وأشياعه، رسمها ذاك الذى هو أبرع جمالاً من بنى البشر، وهو يعطى جمال الحياة المسيحية لأولئك الذين يخرجهم من جمال العالم، إلى جماله القدسي العظيم ... لقد تحول جمال أبفرودتس من المعنى الوثني المرتبط بأفروديت آلهة الجمال، إلى الجمال المسيحي كما رسمه المسيح بحياته . والمسيح على الدوام يفعل ذلك على أكمل وجه، عند ما يضع في مرسمه أولئك الذين يعيد رسمهم من جديد كالفخاري العظيم بعد أن تلف الوعاء وفسد، فأعاده مرة أخرى إلى دولابه الخالد!! .. لعل أكبر ظلم فعله غريغوري العظيم في مريم المجدلية، هو أنه صور شياطينها السبعة في صور الحياة المبتذلة التي اعتقد أنها كانت تعيشها، وأنها كانت خليعة ماجنة ممعنة في الفساد والاثم والشر، حتى مر بها المسيح، وأخرج شياطينها ليقدس حياتها له،... وقد سار كثيرون وراء غريغوري في هذا النهج من التفسير وهم يتأملون النعمة المجملة لحياة الإنسان ... واني لا أعتقد بتاتاً أن مريم كانت على هذا التبذل في حياتها الأولى، بل كانت مجنونة كسائر المجانين الذين يفقدون وعيهم، وأنها كانت كمجنون الجدريين الذى أفقده الشيطان وعيه وإدراكه وحياته العاملة بين الناس، ... والشيطان على أية حال وراء ضياع العقل والروح، وهو يسلب الإنسان جماله، حتى يسترده في يسوع المسيح المبارك!! .. وسواء كان جمال مريم مفقوداً بسبب ضياع عقلها أو تبذل حياتها، فإن المسيح يصنع بكل إنسان ما صنعه بها عندما أعاد إليها جمال العقل والحياة، وكساها لا بمجرد جمال جسدي ربما كان في الأصل رائعاً وعظيماً، بل بالجمال الروحي الأروع والأعظم!! .. إن مريم وأبفرودتس وأنا وأنت، وسواء كنا نتمتع بجمال الجسد أم كنا عاطلين عنه، قبحتنا الخطية، وتركتنا أكثر سواداً من فحمة الليل، حتى جاء المسيح نور العالم، وجعلنا أنواراً تشع بالضياء في ظلمة الليل البهيم!! .. وشتان ما بين أفروديت والمسيح!! ...
.