أفكار لعظة
تسجيل

استير4: 13-17

سفر العناية الالهية

مقدمة: ظاهريا, سفر استير هو قصة فتاة خاطرت بنفسها لإنقاذ شعبها. لكن الحقيقة هي ان سفر استير يروي قصة عناية الله بشعبه.

جملة انتقالية:

من خلال نظرة بانوراميه للسفر والتوقف أمام بعض المحطات سنكتشف كيف ان الله رتب لحل واحدة من اصعب المشاكل التي اعترضت شعبه قبل ان تقع هذه المشكلة بسنوات طوال. كما فعل قديما مع اسرة يعقوب اذ رتب لإنقاذهم من المجاعة عندما ارسل يوسف لمصر قبل المجاعة بسنوات. والغاية ان نقول مع المرنم الرب راعي فلا يعوزني شيء .

ولأن القصة مرتبة بشكل تاريخي سنمر على اصحاحاتها بشكل سريع:

.

 1-الاصحاح الأول.

تاريخيا بعد خسارته للمعركة أمام اليونان يقرر احشويروش في السنة الثالثة من ملكه اقامة وليمة للقادة, يثبت فيها عظمته وغناه. ليقنعهم بإعادة الحرب على اليونان.

في اليوم السابع من الوليمة يرسل لاستدعاء زوجته ليري الشعوب والرؤساء جمالها. وهذا تصرف أرعن من شخص مخمور, فلا أحد يعرض زوجته أمام الآخرين إلا ان كان بهذا الوضع. لذلك زوجته رفضت الطلب.

كان هذا التصرف اهانة لشخص احشويروش فكيف سيقنع الجميع انه قائد وهو لايستطيع ان يملي امرا على زوجته

استشار من حوله فاقترحوا عليه مرسوما ملكياً بعزل زوجته واعطاء مكانها لآخر.

2-الاصحاح الثاني

بعد ان خمد غضب احشويروش ذكر وشتي زوجته وتصرفه الأحمق معها. ويبدوا انه حزن للأمر. فاقترح عليه الغلمان ان يحضروا له اجمل البنات, وليختر هو من تكون بديلة عن وشتي. فحسن الكلام في عينيه.

بين الجالية اليهودية وجد شخص اسمه مردخاي بن قيس رجل يميني(أي من سبط بنيامين) قام بتربية ابنة عمه استير بسبب وفاة والديها وكانت الفتاة رائعة الجمال. فاختيرت مع غيرها من العذارى لتؤخذ إلى قصر الملك.

لماذا كانت جميلة إلى هذه الدرجة وهل ذلك مصادفة, أم ان الرب قد رتب ذلك ليفتح لأستير باب الوصول إلى قصر الملك. انها عناية الله بشعبه!

أُخذت استير إلى بيت الملك فنالت نعمة في عيني حارس النساء فأعطاها مايلزمها من عطور وأطياب وطعام وعيّن لها سبع وصيفات ونقلها إلى أحسن مكان في بيت النساء. هل هذه مصادفة ام هي عناية الرب بشعبه

عندما ذهبت استير إلى بيت الملك أوصاها مردخاي ان لاتعلن عن جنسها دون ان يدري انه بذلك يتمم خطة الله. هل هي مصادفة. أم هي عناية الله بشعبه.

وبعد اثني عشر شهرا من التطيب والتعطر والاهتمام بنوعية طعامها أُدخلت إلى الملك احشويروش في السنة السابعة لملكه أي بعد الوليمة التي اقامها الملك بأربع سنوات. فاحبها الملك ووجدت نعمة في عينيه فوضع تاج الملك على راسها وملّكها بدل وشتي وعمل على شرفها وليمة عظيمة فصارت استير, استير الملكة.

واذ صارت استير ملكة عملت على احضار ابن عمها مردخاي الى القصر ليكون حاجب الملك وبالتالي تكون له امكانية الدخول والخروج متى شاء والاطلاع على أمور شتى.

هل كل هذا مصادفة ام انه ترتيب الله, بل عناية الله بشعبه.    

بعد فترة من الزمن حدثت مؤامرة على الملك احشويروش فاكتشفها مردخاي بسبب وجوده في القصر وأخبر الملكة استير التي بدورها اخبرت الملك. وإذ تحقق الملك من الأمر امر بقتل المتآمرين وكتب الحدث في سفر اخبار الأيام الخاص بالمملكة.

من الغرابة بمكان أن شخصا ينقذ الملك من الموت ولا يكافأ هل نسي الملك الأمر. أم ان الرب تدخل فأنساه, لأن للقصة تتمة.

وإن كان الملك قد نسي الأمر المهم أي ان يكافأ مردخاي, ولكنه بترتيب من الرب لم ينس ان يسجل الأمر الأقل أهمية أي كتابة القصة في سفر الأخبار. وكل هذا لأن للرب قصة يريد ان يتمها.

3-الاصحاح الثالث

بعد هذه الأمور عظم الملك شخصا يدعى هامان الأجاجي وجعله فوق جميع الرؤساء. وبحسب العادة يسجد الناس للملوك والعظماء باعتبارهم آلهة. أما مردخاي فلم يكن يسجد لهامان, وهامان لم يعلم بالأمر لكن عبيده لاحظوا, فجاؤوا الى مردخاي وسألوه. فقال: أنا لا أسجد لأنني يهودي. بمعنى انه لا يؤمن إلا بإله واحد يسكن في السماء. فاخبر العبيد سيدهم هامان ان حاجبا يهوديا لا يسجد له. فاستصغر أن يعاقب مردخاي وحده، بعد أن أخبروه عن شعب مردخاي. فعزم أن يفني جميع اليهود، شعب مردخاي، المقيمين في كل أرجاء مملكة أحشويروش. وبسلطان من الملك كتب رسائل (إِلَى كُلِّ بُلْدَانِ الْمَلِكِ لإِهْلاَكِ وَقَتْلِ وَإِبَادَةِ جَمِيعِ الْيَهُودِ مِنَ الْغُلاَمِ إِلَى الشَّيْخِ وَالأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ (أَيْ شَهْرِ أَذَارَ) وَأَنْ يَسْلِبُوا غَنِيمَتَهُمْ).

وكان هذا في السنة الثانية عشرة لملك احشويروش. اي بعد ان ملكت استير بخمس سنوات. وهكذا كان الله يرتب لإنقاذ الأمة قبل ان تأتي المشكلة بسنوات طوال. وليس كما يظن البعض ان الله يتدخل في مسيرة حياتنا فقط عندما تأتي المشكلة أو عندما نصرخ اليه.

(يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الِاسْتِقْصَاءِ!)

4-الاصحاح الرابع

عندما علم مردخاي بالأمر لبس مسحا وناح كبقية اليهود خوفا من هذا المرسوم الذي لايمكن ان ينسخ او يتغير

وارسل مردخاي إلى استير يطلب منها ان تتدخل لدى الملك وتتضرع اليه من اجل شعبها. فاخبرته أن كل رجل أو امرأة يدخل إلى الملك في مخدعه الداخلي، من غير دعوة، فجزاؤه حتما الموت، إلا الذي يمد له الملك قضيب الذهب فإنه يحيا. وأنا لم أدع للمثول بين يدي الملك هذه الثلاثين يوما. بمعنى ان دخولي لمحضر الملك فيه مجازفة بحياتي

فَقَالَ لها مُرْدَخَايُ (لاَ تَفْتَكِرِي فِي نَفْسِكِ أَنَّكِ تَنْجِينَ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ دُونَ جَمِيعِ الْيَهُودِ. لأَنَّكِ إِنْ سَكَتِّ سُكُوتاً فِي هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ الْفَرَجُ وَالنَّجَاةُ لِلْيَهُودِ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ وَأَمَّا أَنْتِ وَبَيْتُ أَبِيكِ فَتَبِيدُونَ. وَمَنْ يَعْلَمُ إِنْ كُنْتِ لِوَقْتٍ مِثْلِ هَذَا وَصَلْتِ إِلَى الْمُلْكِ!)

عندئذ طلبت منه استير ان يصوم ومن معه في المدينة لمدة ثلاثة أيام وهي ستفعل نفس الشيء ثم ستدخل إلى الملك على خلاف السنة (فَإِذَا هَلَكْتُ هَلَكْتُ). بمعنى أكون قد فعلت ما عليّ.

5-الاصحاح الخامس

(وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَبِسَتْ أَسْتِيرُ ثِيَاباً مَلَكِيَّةً وَوَقَفَتْ فِي دَارِ بَيْتِ الْمَلِكِ الدَّاخِلِيَّةِ مُقَابِلَ بَيْتِ الْمَلِكِ وَالْمَلِكُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ مُلْكِهِ فِي بَيْتِ الْمُلْكِ مُقَابِلَ مَدْخَلِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ أَسْتِيرَ الْمَلِكَةَ وَاقِفَةً فِي الدَّارِ نَالَتْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ فَمَدَّ الْمَلِكُ لأَسْتِيرَ قَضِيبَ الذَّهَبِ الَّذِي بِيَدِهِ فَدَنَتْ أَسْتِيرُ وَلَمَسَتْ رَأْسَ الْقَضِيبِ.)

من الذي أعطاها نعمة في عيني الملك, اليس هو الله راعي شعبه وميراثه!

وإذ سألها عن طلبتها قالت له: (إِنْ حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ فَلْيَأْتِ الْمَلِكُ وَهَامَانُ الْيَوْمَ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلْتُهَا لَهُ).

وفي المساء جاء الملك مع هامان إلى الوليمة وإذ سألها عن طلبتها قالت له انها تريد ان تقيم وليمة ثانية غدا لهما ثم تخبر الملك طلبتها

واذ خرج هامان من محضر الملكة, ورأى مردخاي في باب الملك لم يقم ولاتحرك له امتلأ غيظاً.

وإذ دخل بيته, جمع الذين له واخبرهم عن العز والغنى الذي يقيم فيهما ثم اردف قائلاً: (ولكن هذا كله لا قيمة له عندي حين أرى مردخاي اليهودي جالسا أمام باب الملك. عندئذ قالت له زوجته زرش وسائر المقربين إليه: «ليجهزوا خشبة ارتفاعها خمسون ذراعا (خمسة وعشرون مترا)، واطلب من الملك في الصباح أن يأمر بصلب مردخاي عليها، ثم اذهب مع الملك إلى المأدبة سعيدا». فاستصوب هامان الرأي، وأمر بتجهيز الخشبة!)

6- الاصحاح السادس

بينما نام مردخاي في بيته يقول الكتاب (في تلك الليلة أرق الملك، فأمر أن يأتوا إليه بكتاب تاريخ أيام المملكة، فقرئ على الملك). من الذي جعل الملك قلقا تلك الليلة, اليس المفترض ان الملك قادم من سهرة عامرة والفرح يملأه.

ثم لنفترض ان الملك اصابه الأرق أليست العادة ان يستحضر المغنين والمغنيات ليرفهوا عنه. لكن العجيب انه في ارقه يطلب الكتاب الذي تكتب فيه اخبار المملكة ليقرأه. إن هذا امرا عجيبا. ولكن اذ نعلم ان كل هذا يدخل ضمن عناية الرب يزول العجب.

وبدأ الملك يستمع إلى القارئ من المساء حتى الصباح وإذ وصل إلى قصة المؤامرة وانقاذ مردخاي لحياته سأل بماذا كافأنا هذا الرجل فقيل له (لم يُعمل معه شيء). نعم أُجلت المكافاة لكي يأتي وقتها اليوم

وفجأة يسأل الملك من في الدار فيقال له مردخاي. فيستدعيه. هل هي مصادفة ان يأتي في هذا التوقيت.

وبادر الملك بخلاف العادة بالسؤال( مَاذَا يُعْمَلُ لِرَجُلٍ يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ؟ فَقَالَ هَامَانُ فِي قَلْبِهِ: [مَنْ يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ أَكْثَرَ مِنِّي؟] فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ: [إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ يَأْتُونَ بِاللِّبَاسِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي يَلْبِسُهُ الْمَلِكُ وَبِالْفَرَسِ الَّذِي يَرْكَبُهُ الْمَلِكُ وَبِتَاجِ الْمُلْكِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ وَيُدْفَعُ اللِّبَاسُ وَالْفَرَسُ لِرَجُلٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ الأَشْرَافِ وَيُلْبِسُونَ الرَّجُلَ الَّذِي سُرَّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ وَيُرَكِّبُونَهُ عَلَى الْفَرَسِ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ وَيُنَادُونَ قُدَّامَهُ: هَكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ]. فَقَالَ الْمَلِكُ لِهَامَانَ: [أَسْرِعْ وَخُذِ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ كَمَا تَكَلَّمْتَ وَافْعَلْ هَكَذَا لِمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ الْجَالِسِ فِي بَابِ الْمَلِكِ! لاَ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ مَا قُلْتَهُ]. فَأَخَذَ هَامَانُ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ وَأَلْبَسَ مُرْدَخَايَ وَأَرْكَبَهُ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ وَنَادَى قُدَّامَهُ: [هَكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ].) وبقي يفعل هذا الامر حتى المساء.

واذ انهى مهمته وهو ممتلئ بالغيظ عاد الى بيته وقص على عائلته ماحدث فقيل له [إِذَا كَانَ مُرْدَخَايُ الَّذِي ابْتَدَأْتَ تَسْقُطُ قُدَّامَهُ مِنْ نَسْلِ الْيَهُودِ فَلاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ بَلْ تَسْقُطُ قُدَّامَهُ سُقُوطاً]. وَفِيمَا هُمْ يُكَلِّمُونَهُ وَصَلَ خِصْيَانُ الْمَلِكِ وَأَسْرَعُوا لِلإِتْيَانِ بِهَامَانَ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَسْتِيرُ.  

7-الاصحاح السابع

وبنما الملك وهامان على مائدة الملكة سأل الملك استير ماهو طلبك فقاللت له ان تحفظ حياتي وتنقذ شعبي. لأنه قد تم بيعي انا وشعبي للقتل والهلاك. فقال الملك ومن هو هذا الذي يجرؤ أن يرتكب مثل هذا؟ أين هو؟» فأجابت استير: «إن هذا الخصم والعدو هو هامان الشرير».

فارتاع هامان أمام الملك والملكة. وانصرف الملك عن الشرب مغتاظا، ومضى إلى حديقة القصر. ووقف هامان يتوسل إلى أستير الملكة حفاظا على حياته، لأنه أدرك أن الملك قد قرر مصيره الرهيب.

وعندما رجع الملك من حديقة القصر إلى قاعة المأدبة، وجد هامان منطرحا على الأريكة التي كانت أستير تجلس عليها. فقال الملك: «أيتحرش أيضا بالملكة وهي معي، وفي القصر؟» وما إن نطق الملك بهذه العبارة حتى غطوا وجه هامان.

فقال حربونا أحد الخصيان الماثلين في حضرة الملك: «ها هي الخشبة التي أعدها هامان لصلب مردخاي، الذي أسدى للملك خيرا، منصوبة في بيت هامان، وارتفاعها خمسون ذراعا». فقال الملك: «اصلبوه عليها». 10فصلبوا هامان على الخشبة التي أعدها لمردخاي. ثم هدأت سورة غضب الملك.

الذي يزرعه الانسان اياه يحصد ايضا

ثم تجري الاحداث بطريقة سلسة إذ يصدر مرسوما آخر يعمل على نجاة شعب اسرائيل في نفس اليوم الذي كان مقررا ان يباد فيه. ويصدر مرسوما آخر بجعل 14- 15 اذار العبري من كل سنه يوم فرح أو عيدا للفرح ويسمى بعيد الفوريم.

فإذا كل الأحداث كانت مرتبة ومنذ سنوات. وليس صحيحا كما يظن البعض ان الله يتدخل وقت الحدث وعندما نصلي. فهو يعمل قبل الحدث لإيجاد المخرج. ولكن نحن بسبب قلة معرفتنا نظن ان المخرج رتبه الله وقت الحدث وعندما صلينا

ان قصة استير مشابه لقصة يوسف الذي اعده الله لخلاص شعبه قبل ان تأتي المشكلة بسنوات طوال

فلنثق بالرب الذي يرعانا ولنعلم ان مع رعايته لايعوزنا شيء من الخير . وان الظروف الصعبة التي تباغتنا الان قد رتب الله لنا المخرج منها ومنذ سنوات طوال فبدل الخوف والترقب علينا ان نهلل لأن مخلصنا ممسك بزمام كل الامور.

ولإلهنا كل المجد إلى الأبد آمين.