دراسات و عقائد
تسجيل

(وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ [تعني في الأصل اليوناني بحسب قاموس سترونغ, (يساعد مع, يرفع سوية مع آخر مختلف)] ضَعَفَاتِنَا [تعني في الأصل اليوناني بحسب قاموس سترونغ (وهن في الجسد أو الذهن)] لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ) رومية8: 26-27.

.

 1- يعين ضعفاتنا

عندما نُقبل إلى الصلاة ونحن في حالة من الضعف الجسدي (بسبب الإرهاق في العمل أو الخدمة), أو الضعف الذهني (بسبب أزمة نفسية مع الآخرين, أو اكتئاب ناتج عن ضغط الخدمة), نجد أنفسنا ميالين لترك الصلاة والخلود إلى الراحة.

لكن الرسول بولس يقول لنا, حتى وإن كنت في هذه الحالة من الضعف لا تترك الصلاة , ولا تؤجلها. لأن الروح القدس عندما يراك تجاهد في الصلاة فإنه يُقبل إليك لكي يساعدك في ضعفك, ويرفع صلاتك أمام عرش النعمة.

من المهم الملاحظة هنا ان الروح القدس لا يعمل عوضاً عنك, لكن يعمل معك (لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا) فيلبي 2: 13, إنه يراك كرجل يريد أن يجر حملاً أكبر من إمكانياته, أو يرفع حملا فوق طاقته, فيأتي إليك ليتعاون معك في رفع أو جر الحمل. وهذا ما يفيده الأصل اللغوي لكلمة يعين.

هذا الأمر نجد نظيره في دعوة الرب للمتعبين عندما يقول لهم (اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ)متى11: 29, والنير هو قطعة خشبية ثقيلة على شكل إشارة (+) توضع على عنق ثورين, وتتصل بالمحراث أو غيره من الآلات أو العربات لجرها. والغاية منها أن يساعد الثور القوي الثور الضعيف.

وكأني بالرب يسوع يقول للمؤمن المتعب, عندما تضع نفسك معي تحت نير واحد فإني سأحملك وأحمل حملك, لن أحمل نيابة عنك لكني سأحمل معك.

إننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئا, وهو بدوننا لا يريد أن يفعل شيئاً.

2- يشفع فينا

إن المؤمن في علاقته مع الله لديه مشكلتان, الأولى تتعلق بخطاياه, والثانية تتعلق بمشيئته. فالخطية من جهة, واختلاف مشيئة المؤمن مع مشيئة الله من جهة أخرى, يجعلان المؤمن غير مقبول لدى الآب السماوي.

لذلك يقدم لنا الكتاب المقدس شفيعان لحل هذه المشكلة, الأول هو المسيح, والثاني هو الروح القدس.

ماهي شفاعة المسيح: إنها شفاعة كفارية(إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ)عبرانيين7: 25, مبنية على عمل المسيح على خشبة الصليب, أي على عمل لا علاقة للمؤمن به. غايتها قبول المؤمن الملوث بالخطية أمام الآب السماوي.

ماهي شفاعة الروح القدس: إنها ليست كفارية, إنها شفاعة مشيئة(وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا), مبنية على عمل الروح القدس في المؤمن, أي في إقناعه بتعديل مشيئته لتنسجم مع مشيئة الآب السماوي, وبالتالي ليكون مقبولاً لديه.

إذاً المسيح يحعلنا مقبولين أمام الآب السماوي بسبب كفارته عندما يُظهرنا بلا خطية, والروح القدس يجعلنا مقبولين أمام الآب السماوي عندما يظهرنا بمشيئة لا تختلف عن مشيئة الآب السماوي.

مكتوب (لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي), هذا لا يعني أننا لا نعلم بالمطلق ما نصلي لأجله, فنحن نعلم مثلاً أن نسأل الآب مغفرة الخطايا عندما نسقط, وأن نسأله المعونة وقت التجربة, الخ...

لكن يعني اننا لا نعلم أن نطلب الأفضل في كل أمور الحياة ليهبه لنا الله, وإليك بعض الأمثلة:

  1. إبراهيم, صلى لكي لا يُهلك الرب سدوم وعمورة ولم تُستجب صلاته (تكوين18), مع انها مرفوعة من قلب مكرس لله, ومحب للآخرين.
  2. موسى صلى ليدخل أرض الموعد (دَعْنِي أَعْبُرْ وَأَرَى الأَرْضَ الجَيِّدَةَ التِي فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ هَذَا الجَبَل الجَيِّدَ وَلُبْنَانَ. لكِنَّ الرَّبَّ غَضِبَ عَليَّ بِسَبَبِكُمْ وَلمْ يَسْمَعْ لِي بَل قَال لِي الرَّبُّ: كَفَاكَ! لا تَعُدْ تُكَلِّمُنِي أَيْضاً فِي هَذَا الأَمْرِ)تثنية3: 25-26.
  3. ارميا صلى من اجل شعبه (ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِي: [وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هَذَا الشَّعْبِ.)ارميا15: 1.
  4. أم ابني زبدي (حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئاً.فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هَذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ».فَأَجَابَ يَسُوعُ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ)متى20: 20-22.
  5. صلاة يعقوب ويوحنا بعد رفض السامرة لتلاميذ المسيح (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا قَالاَ: «يَا رَبُّ أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟ فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!)لوقا9: 54-55, ظنّ التلاميذ ان إحراق السامرة يمجد الله, لكن الله لم يرى هذا لمجده.
  6. الرسول بولس صلى من أجل مرضه (مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ») 2كورنثوس12: 8-9, والرب لم يَستجب, بل أبقى المرض لمنفعته.

إذاً ليس من الضرورة أن يعرف البار دائماً ما ينبغي أن يصلي من أجله, إذ كثيراً ما تنبع الصلاة من جهلنا, أو من دوافع ورغبات غير نقية, وأحياناً مع الأسف رديه.

وهنا يأتي دور الروح القدس الذي يُقنع المؤمن بالتسليم الكامل لإرادة الآب, أي يقنعنه إمّا بما يريده الله فيطلبه, أو يقنعنه ان طلبته ليست في مصلحته فيتخلى عنها. وسواء هذا أو ذاك سيصلي لتكن مشيئتك, فُتسمع صلاته لديه (وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئاً حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا) 1يوحنا5: 14.

إن صلاة البار لا تغير مشيئة الله, بل تغير مشيئته لتتطابق مع مشيئة الله.

إذاً الروح القدس هو الذي يعلمنا ما نصلي لأجله وفي هذا تعزية عظيمة لكل من يشعر بضعف صلاته.

3- يشوقنا للبركات الروحية

قيل عن الروح القدس انه (يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا), الأنّات هنا هي أنات المؤمنين لا أنات الروح القدس, وهي ما يعبرون بها عن أشواقهم إلى الأمور الروحية التي أوجدها الروح القدس في قلوبهم (وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ)1كورنثوس2: 12.

فالروح القدس لا يوجد البلاغة في صلواتنا, لكن يوجد الأشواق في قلوبنا إلى الأشياء الموهوبة لنا من الله. وما أكثر ما عبّرت مشاعرنا عن ذلك دون أن نتكلم كلمة واحدة.

بقلم خادم الرب, نبيل سمعان يعقوب

حمل الملف على شكل pdf

10.pdf