خبز الحياة
تسجيل

(لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ).( لوقا 1: 37).

يقال أنّه تحدث معجزة على قمم جبال الألب سنة بعد سنة, وذلك أنّه من بين الثلوج المتراكمة المتكاثرة, ترفع بعض النبتات رؤوسها وتتفتح أزهارها الجميلة, لأنّ هذه النباتات كانت تستمد حرارة الشمس بكل قواها في أثناء الصيف, وتخزّنها في جذورها.

فعندما يحلّ الربيع, يحرّك تلك الحرارة الكامنة, فتندفع الأزهار متفتّحة مزهرة, رغم الثلوج المتراكمة فوقها, وكلما علت القمم, وازدادت ثلوجها, ازدادت الأزهار نضارةً وجمالاً, واستمدّت نشاطاً وحيويّة من النسيم الثلجي المتلاعب فوق رؤوسها.

لهذه الأزهار النادرة, أثر عميق في قلوبنا, وذلك لأننا بواسطتها نرى المستحيل ممكناً. وهذا عين ما يريده الله.

إذاً لا يجب أن نفشل من تراكم ثلوج الحياة, ولا نخشى تكاثر الهموم والمشاكل, لأنّه " لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (لوقا 1: 37).

.

"لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ " (مرقس 8: 36, 37).

كان – نابليون – قائداً عظيماً وناجحاً في حياته, ولكن كانت كلماته الأخيرة في منفاه هي " ليس هناك أحد يخاطر بحياته من أجلي". إنّ شهرته وعظمته انتهتا بفشل ذريع.

وكان أيضاً – فولتير- ملحداً ومتعصباً وكتب يقول في آخر حياته " أتمنى لو لم أكن قد ولدت " إذ أدرك أنّ الالحاد وعدم الإيمان انتهيا به إلى التدمير والهلاك.

هؤلاء وغيرهم من عظماء هذا العالم ماتوا بدون رجاء في خطاياهم واستقرت نهايتهم في ابدية تعيسة.

يقول الرسول بولس للمؤمنين: " لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. " (1تسالونيكي 4: 13).

إنّ السعادة الحقيقية هي في المسيح يسوع المخلّص الوحيد "لأَنَّ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال8: 35, 36).

والذي امتلك المسيح, امتلك كل شيء " كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ. كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ (2كورنثوس6: 10).

.

(أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً.) مزمور119: 162

كتب- والتر سكوت – أكثر من ستين كتاباً شعبياً. وعندما كان على فراش الموت, طلب من صهره أن يُحضر له " الكتاب " فسأله: أي كتاب؟ فأجاب: لا يوجد سوى كتاب واحد, وأشار بإصبعه إلى الكتاب المقدس ! لقد كان في نهاية حياته, يُقدّر بحق أهمية كلمة الله "الكتاب" !

وكتب- إبراهيم لنكولن-: إنّي أومن أنّ الكتاب المقدس, هو أعظم هدية أعطاها الله للإنسان. فكل ما يتعلق بمخلص العالم من أمور عظيمة متضمنة فيه.

وعلى عكس ذلك, كتب- فولتير- منذ أكثر من قرنين: بعد مئة سنة سيُهجر الكتاب المقدس مثل تقويم السنة الماضية ! ويوضع في المتحف! ولكن بعد موته بمئة عام اشترت دار الكتاب المقدس منزله وحولته إلى مطبعة لطباعة الكتاب المقدس.

وأنت ماهو الكتاب المقدس بالنسبة لك؟ هل قبلت رسالته, أم ستظل غير مُكترث بكنز عظيم كهذا؟

.

عاصفة مقبلة

" لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ "( متى 24: 21).

قرّر رئيس شركة "غراهام ومارتن للنقل البحري" في سنة 1895 أن يرسل إحدى سفنه الخشبية الضخمة في رحلة جريئة في الشتاء لعبور بحيرة ميشيغان, ولكنه في الصباح الباكر يوم انطلاق الرحلة, ارتعب حين عَلِم أنّ ميزان الضغط الجوي يشير إلى درجة منخفضة جداً, مما يعني أنّ عاصفة عنيفة مقبلة, فأسرع بإرسال برقية للمرفأ في "ميلواكي" آمراً السفينة بعدم الاقلاع, ولكن الامر وصل متأخراً بدقائق معدودة بعد إبحار السفينة.

فيما بعد في ذلك الصباح ضربت العاصفة بكل قوتها كما كان مرتقباً, وخبّطت الامواج السفينة, ورطمتها بجبلٍ من الجليد العائم فغرقت.

بعد مدّة وجدت زجاجة على الشاطئ تحتوي هذه الرسالة: "خسرنا كل شيء, خسرنا القبطان والبحارة, والكل غرقوا وكان الامر مخيفاً للغاية, الساعة الآن هي العاشرة والربع... الوداع ".

إنّ عاصفة دينونة الله المخيفة مقبلة على العصاة والخطاة في هذا العالم, ولكن الانذارات الكتابيّة عن الضيقة العظيمة تبدو وكأنّها غامضة وغير واضحة, وبعيدة عن منطق الكثيرين.

إنّ الاكثرية يعيشون في نسبة معينة من السلام, وتبدو المشاكل والعنف والاضطرابات السائدة في العالم اليوم وكأنّها لا تعنيهم. نراهم مكتفين وراضين عن وضعهم هذا ولا يرون أي ضرورة للاهتمام بما يُسمّى دينونة مقبلة, ولكن غضب الله معلن وسينزل ولا محالة, إنّه سيدين العالم الخاطئ, فيجب على المؤمنين أن يرسلوا الانذار تلو الانذار وذلك قبل فوات الاوان.

نعم, إنّ هناك عاصفة ودينونة مقبلة لا محالة !

.

النعمة التي تغير

" .... فَإِنَّ الرِّجَالَ عَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ " ( يونان1: 10) .

في سنة 1748, أقلعت سفينة من شاطئ على جزيرة في غربي القارة الأفريقية, متّجهة نحو بريطانيا وعلى متنها بحّار باسم "جون نيوتن". وكان ذلك البحّار معروفاً بلسانه السفيه, وبحياته المفعمة بالشر والنجاسة, وهذا ما قاله نيوتن عن نفسه فيما بعد, واصفاً حياته الماضية.

كان القبطان يردّد دائماً هذه العبارة عنه قائلاً: " يونان معنا هنا في السفينة"! بل وأنّه ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال : "كانت اللعنة تتبع السفينة بسبب جون أينما ذهبت. وإن صادفتنا أية مشكلة, نفتّش عن السبب فنراه مرتبطاً بجون نيوتن"

قد يكون القبطان على حق لأنّ نيوتن كان إنساناً بعيداً جداً عن الله.

وكما أنّ عاصفة شديدة هددت بتدمير السفينة التي كانت تقل يونان, فإنّ عاصفة مماثلة أيقظت نيوتن من غفوته الروحية تلك.

حين انكسرت السفينة في المحيط الأطلسي! وبينما كانت تغرق, رفع جون قلبه بالصلاة والتضرع إلى الله, وطلب رحمته وألقى رجاءه الكلّي على الرب يسوع المسيح, فأُنقِذ.

وهكذا بالنعمة أصبح ذاك البحّار المجدّف والفاسد, أحد أعظم رجالات الله, وكاتب الترانيم الشهير !

لا تؤجّل قبول نعمة الخلاص إلى أن تهبّ عليك عاصفة هوجاء, فتخضّك وتوقظك لكي تلفت نظرك إلى حاجتك هذه. لماذا لا تلتفت إليه اليوم, لماذا لا ترجع إليه الآن.

.

الأعمال الصغيرة

" أَنَا تَرْتِيُوسُ كَاتِبُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ " (رومية 16 :22).

"ترتيوس " اسم لاتيني معناه " الثالث", وكان الرومان يستخدمون الأعداد أحياناً كأسماء أعلام وخاصةً بين العبيد.

وأياً كان ترتيوس لا يهم, هل له مكانة بارزة في المجتمع, أو هو من العبيد. لا يهم. فالله لا يهتم بالفوارق الاجتماعية, فالعبيد والسادة, الأغنياء والفقراء, كلهم أمامه واحد, وفي المسيح يسوع تختفي جميع الفوارق بخصوص قبولهم لدى الله.

وترتيوس هو اسم الشخص المسيحي الذي أملاه الرسول بولس رسالته إلى مؤمني رومية.

لم يكن مبشراً شهيراً, أو معلّماً قديراً, أو خادماً عظيماً في كنيسة الله, لكن عندما احتاج الرسول لِمَن يُمليه الرسالة, قام ترتيوس بالخدمة المطلوبة.

ومع أنّ العمل الذي قام به مُحدد, إلا أنّ أبسط عمل يُقدّم للرب بدوافع نقية ومُخلِصة سيكون له تقديره مع أعظم الأعمال وأمجدها, وستعرفه السماء تمام المعرفة.

وعمل مثل هذا يُشبع قلب الرب يسوع, الذي سيعطي المكافأة في يومٍ قريب كما هو مكتوب "عالمين أنّ تعبكم ليس باطلاً في الرب ".    

.

"... بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ " ( أعمال 14: 22).

أجمل الساعات تعقب أشدّ الضيقات والعذاب.

القمح يطحن طحناً ويُسحق سحقاً قبل أن يعطي خبزاً وغذاءً.

البخور يُحرق بالنار ليفوح طيبه.

الأرض تُحرث بالآلات الحادّة قبل أن تعطي أثمارها. وكذلك القلب عليه أن ينسحق وينكسر قبل أن ينال رضى الله ويمتّع صاحبه بأعذب ساعات الحياة " القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره ".

كأنّه فُرِضَ على الطبيعة البشرية أن تتألّم وتذوب أمام الله قبل أن تكون النفس بركةً للعالم.

إن أردتَ أن تفرح مع الفرحين وتبكي مع الباكين.

إن أردتَ أن تعزّي المحزونين وتبهج البائسين.

إن أردتَ تُفرج المكروبين وتغني المنكوبين.

فاعبُر أولاً طريق الجلجثة متّبعاً خطوات سيّدك متقبلاً العذاب والآلام لتستطيع أن ترثي للآخرين.

.