خبز الحياة
تسجيل

"أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي." فيلبي4: 13

حصلت العدّاءة "فيلما رودولف" على ثلاث ميداليات في أولمبياد سنة 1960, ولكي تنال هذه الجوائز كان عليها أن تتجاوز حواجز ومعوقات عديدة...أُصيبت فيلما وهي في الرابعة من عمرها بمرض افقدها قوة رجلها اليسرى ممّا أدّى إلى شللها, فكان عليها أن تتعلّم المشي من جديد إبّان بلوغها سن السابعة.

كما إنّ لاعب كرة القدم الشهير "ا.ج.سمبسون" مرَّ هو أيضاً باختبارات مماثلة, ففي صِغَره كان يعاني من نقص في مادة الكالسيوم في جسمه, وعُولج لعدة سنين. فوضعه هذا سبّب التواءً في رجليه, ولكن رغم كل ذلك نال الجائزة الاولى كأفضل لاعب كرة قدم في سنة 1968.

رغم إنّ العوائق التي صادفت يوسف كانت غير جسدية, لكنها كانت أعظم من ذلك...لقد كان مكروهاً من اخوته, فطُرح في البئر, وبيع كعبد في مصر حيث اتُهم باطلاً بالتعدّي على زوجة سيّده, وأُلقي في السجن. ولكن بالرغم من كل ذلك كان يوسف رمزاً للشجاعة إذ رُفع إلى مركز حاكم مصر, وبمعونة الله الفائقة أصبح مخلّصاً لإخوته وللأرض كلها من المجاعة رغم أنّهم قد أساؤوا معاملته قبلاً.

ماذا عنك, هل من إعاقة, هل من ضعف, فلنذكر قول الكتاب "أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي."

.

"فصلّى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت" (يونان2: 1 ).

لا يوجد مكان في هذا الكون لا يُمكننا فيه أن نصرخ إلى الرب, ولا توجد حالة مهما بلغت النفس فيها من إعياء, لا نستطيع أن ندعو فيها الرب. فيونان من جوف الحوت صرخ إلى الرب, وفي الإعياء الشديد تعلّق بالرب "دعوت من ضيقي الرب ,فاستجابني" صرخت من جوف الهاوية, فسمعت صوتي.. حين أعيَت فيّ نفسي ذكرت الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك".

ومَن مِن البشر, كان يمكنه أن يسمع صرخات إنسان محبوس في جوف حوت في أعماق البحار؟

وأية وسيلة إنقاذ كان يمكن أن تصل لشخص تُحيط به المياه من كل جانب, ويلتف عُشب البحر برأسه حتّى كاد يختنق ؟

كان يونان في إعياء شديد جسمانياً ونفسياً وكان ضميره مُثقل بالإحساس بالذنب, وكانت نفسه حزينة مُكتئبة في ضيق وغم, لكنه صرخ إلى الرب واتجه إلى السيد.

ومَن سواه يسمع؟ ومَن غيره يُنقذ؟

لأن "عينا الرب نحو الصديقين, وأذناه إلى صُراخهم" (مزمور34: 15 ).

.

"يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" يعقوب 4: 6

كم من مرة صدقت هذه الحقيقة اختبارياً في حياة الكثيرين! من بين هؤلاء فيلسوف ألمانيا الأشهر فريدريك نيتشة.

كانت لهذا الفيلسوف مواهب عقلية جبارة وطاقات ذهنية خارقة. وقبيل وفاته بحوالي عشرة أعوام نضبت موارده الذهنية وفقد عقله وظل يلتمس معونة الآخرين وعطفهم عليه إلى أن مات سنة "1900".

لقد انتفخ وتغطرس, فازدرى بالفقراء والضعفاء. واحتقر شعور الرب يسوع من نحوهم, وازدرى بروح النعمة التي كان يُظهرها لهم. كان يقول لمواطنيه "لقد أعطيت للناس أعظم كتاب وقدمت لهم أكمل حرية". هذا الذي ظن أنّه أحكم الناس في جيله. تجردّ من عقله حتّى لم يكن يعرف ماذا يقول ولا ماذا يفعل !!

ومع ذلك يدرس الألمان وغيرهم فلسفة نيتشة إلى الآن باعتبارها المبادئ الإنسانية الأرقى. ولم يرجعوا

إلى الله ولم يأخذوا لأنفسهم عبرة مما حدث لفيلسوفهم.

.

أليست خمسة عصافير تُباع بفلسين, وواحد منها ليس منسياً أمام الله ؟ (لوقا 12 : 6 )

قد يكون هناك عصفورا لا قيمة له في نظر البائع, ولكن ليس هكذا عند الرب. إنّه ليس منسياً, بل له قيمة وغلاوة عند الرب. هل شعرنا مرةً بهذا الشعور المُحبِط, بأننا منسيون ومُهملون؟

لقد اجتاز داود في مثل هذا الاختبار, إذ كان منسياً من أبيه ومُحتقراً من إخوته, ومجهولاً من الملك.

لقد كان منسياً من أبيه لكنّ الله اختار هذا الصغير ليمسحه ملكاً.

كان مُحتقراً من (الياب) أخيه, الذي وبخه بغضب, حين أرسله أباه ليفتقد سلامة إخوته في الحرب. ولم يعرف (الياب) أنّ هذا المحتقر في عينيه سيصنع به الرب خلاصاً عظيماً.

وعرف شاول الملك داود كعازف موسيقى, لكنّه لم يعرفه كجبار بأس في الحرب, كرجل الإيمان الذي يعمل مع الله.

لكن هل تقدير الناس لداود غيّر من تقدير الرب له ؟ كلا.

فليكن تقدير الإنسان ما يكون, غير أنّ تقدير الرب سيظل ثابتاً لا يتغيّر, وهو الأهم.

.

وأما الإيمان فهو الثقة بما يُرجى والايقان بأمور لا تُرى (عبرانين11: 1 ) .

الأمور التي لا تُرى تصبح بالإيمان يقينية وواقعية, فموسى مثلاً بالإيمان تقدّم في خدمة الله وسار في هذا الطريق وهو يرى ما لا يُرى. والمؤمنين في أزمنة الاضطهادات فعلوا نفس الشيء, فها هو أحدهم يهدده الإمبراطور بالنفي إذا أصرّ على إيمانه بالمسيح, فيجيب: العالم كله أرض أبي, لا تقدر أن تنفيني. وإذ قال له الإمبراطور : أستطيع أن أقتلك بدل نفيك. أجاب المؤمن الشجاع: كلا لا تستطيع, لأنّ حياتي مُستترة مع المسيح في الله. فقال له الامبراطور: سأصادر أموالك وأحرمك من بهجة قلبك. أجاب المؤمن الشجاع: لا تستطيع, لأن كنزي في السماء وحيث كنزي هناك قلبي وبهجتي.

قال له الإمبراطور: سأُبعد أصدقاءك عنك. قال له المؤمن: لي صديق لا تستطيع أن تفصله عني, هو الرب يسوع المسيح المكتوب عنه "مُحب ألزق من الأخ".

هل هذا هو ايمانك!!

.

(إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ; هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ) مراثي ارميا3 :22 -23 .

لقد عاين النبي ارميا أهوالاً رهيبة تفوق التصوّر لمّا غزا البابليون أورشليم سنة (586 ق.م). فقد كان أهل المدينة بلا طعام, ولا سلام, ولا راحة, ولا قادة. ولكن في خضم المُعاناة والمآسي, وجد هذا النبي داعياً للرجاء. فقال: "22 إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. 23 هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. "

هذا النبي استمد الرجاء من اختباره الشخصي لأمانة الرب ومن معرفته بوعود الله في الماضي, ولولا هذه وذاك, ما استطاع أن يُعزّي شعبه ويشجّعهم.

هل تستطيع من اختبارك الشخصي ان تقول: كثيرة هي أمانتك أيها الرب الإله! حقاً ليس فيك ظل دوران. اله لا يتغير, ومراحمه على الكل تسود. وهكذا كما كنت, ستبقى مدى الزمان.

ان كان هذا اختبارك مع القدير, فليستخدمك الرب كإرمياء مشجعاً للذين هم في ضيق.

.

أراد ابراهيم ان ينجب ابنا قبل الوقت, ولم ينتظر وقت الله, فأنجب ولداً وصنع مشكلة.

أراد موسى ان يخلص شعب الله قبل الوقت, ولم ينتظر وقت الرب, فقتل المصري ورفُض من الجميع, وظل هاربا 40 عاماً.

أراد يوسف ان يَخرج من السجن قبل الوقت, ولم ينتظر وقت الرب, فطلب من الساقي ان يذكره امام فرعون. ولو كان الساقي قد ذكره, لكان قد خرج من السجن عبداً, لا سيداً على كل مصر.

وقت, أو أجندة الله لا تخطئ, وإن ساعة الله لا تبطئ.

إنه واضع النجوم في افلاكها, وضابط الأرض في مدارها.

إنه الخبير بنفوسنا, والمحصي شعور رؤوسنا.

انه الوحيد المحب, القادر, وضابط الكل. لذلك اذكر قول الكتاب:

(جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ.) مراثي ارميا3: 26.

.